هذا هو الإسلام
تدبر آيات القرآن، فإن فعلت ستعرف الإسلام على حقيقته، وفي كل مرة ستكتشف الإسلام الذي جهلناه وحرفناه ومسخناه حتى صار إسلاما غير الذي أنزله الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وخذ عند هذا المثل، فحينما كنت اقرأ سورة "سبأ"، توقفت عند قول الله عز وجل (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ (24) قُل لّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ)..
وهنا تملكني العجب فأعدت القراءة عدة مرات ثم قلت في نفسي: سبحان الله، الكلام هنا في تلك الآية الكريمة على لسان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد بدأ الله جل في علاه مخاطبته بقوله (قل من يرزقكم من السموات والأرض قل الله) أي قل يا محمد للكفار الذين يجادلونك إن الله هو الرزاق ثم قل لهم (إنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) يا لعظمة الإسلام، ويا لأدب الاختلاف حتى مع الكفار..
لم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم للكفار إنه هو على الهدى، وإنهم هم على الضلال المبين، رغم أنه كان كذلك، ولكنه قال "إنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين"، فساوى في الخطاب بينه وهو صاحب الحق، وبينهم وهم أصحاب الباطل وأهله، وعندما استمر معهم في الجدال قال لهم كلمة تدل على قمة الأدب في خطاب المختلفين حتى ولو كانوا كفارا، قال لهم (لا تُسألون عما أجرمنا) يا للهول يكاد الفؤاد ينخلع من هذه الكلمة!
سرت قشعريرة في جسدي كله ثم قلت لقلبي وكأنه انخلع من مكانه.. أنظر وتأمل، الله سبحانه وتعالى أمر الرسول وهو يخاطب الكفار أن يقول لهم إنهم لا يُسألون عما أجرم المسلمون وهم لم يجرموا! ولكن اقتضى الحال ذلك لأن الكفار كانوا في عقيدتهم يظنون أن المسلمين ليسوا على شيء، وإذا كان من الطبيعي في السياق ذاته أن يقول الرسول مستطردا: ولا نُسأل عما تُجرمون.. ولكن كان الأمر على غير ذلك.. كان قول الله سبحانه وتعالى هو (لا نُسأل عما تعملون) رغم أنهم يجرمون يقينا.