«الإخوان والنمسا» من حليف دائم إلى عدو محتمل.. الممارسات العدوانية للتنظيم تضع الجماعة تحت الميكروسكوب.. يوسف ندا و3 كيانات وراء نشر الفكر الإخواني في الدولة الأوروبية «العلمانية»
تشتعل نار كراهية الإخوان في كل بقعة بالعالم، أصبحت الجماعة أيقونة التطرف الحقيقي في المعمورة؛ أغلب حلفاء الأمس، أصبحوا أعداء اليوم، أو على الأقل مترصدين ومتوجسين منها، ولا يرحبون بها على أراضيهم، وفي القلب من هؤلاء «النمسا».
كيف وصل الإخوان إلى النمسا؟
ليس بالصعوبة تتبع تاريخ توافد الإخوان في هذا البلد الأوروبي الهام، والذي بدأ منذ ستينات القرن الماضي، مع هروب أغلب كوادر الإخوان من انتقام الدولة الناصرية، التي تآمرت عليها، والتنقيب عن بلد لا يمتلك علاقات قوية مع ناصر، للاستقرار فيه، ومن ثم نسج خيوط التنظيم، والعمل بكل أريحية، ومن هناك جاء اختيار «النمسا».
استفادت الجماعة من الزخم المسلط على بريطانيا، والقيادات التي لجأت إليها، لتقوم بتأسيس نظام موازي في النمسا، وخصصت لها مجموعة من قيادات الجماعة، على رأسهم سعيد رمضان، ويوسف ندا، وهناك تم تشكيل ثلاثة كيانات إخوانية، اختاروا لهم أسماء «الإخوان النقيين» و«سلالات الإخوان»، و«المنظمات المتأثرة بالجماعة الأم».
السرية التامة
عمل قادة الإخوان في سرية تامة، على تنشيط عمل المنظمات الثلاثة، وأسُندت إليهم أدوارا لا تختلف كثيرا عن خطتها لزرع شبكات إخوان في مختلف بلدان العالم؛ كان على رأس المهام الموكلة إلى «خلايا الجماعة» تقوية شبكة من العلاقات القوية مع النخب، وتدشين المدار الأكاديميات التعليمية ــــ على النهج الإخواني ــــ بجانب اختراق الشركات والمؤسسات الكبرى، لنشر فكر الإخوان وإعطاء صورة انطباعية عنهم، إضافة إلى تأسيس الجمعيات الخيرية، ومؤسسات المجتمع المدني، التي لم يكن هدفها نقد السلطة، بقدر المساهمة في المجتمع، لعمل علاقات متوازنة من مؤسسات الحكم النافذة.
خلال نحو خمسة عقود، استطاع خلايا الإخوان، إقامة علاقات عمل، وانصهرت بقوة داخل قوى النخب السياسية والاجتماعية، ورغم هذا النمو الكبير في الجاليات الإخوانية في النمسا، إلا أن خبراتها التنظيمية، صعبت من فهم المجتمع لمخططاتها للداخل والخارج؛ فالجدل الدائر حول الجماعة في العالم، بعد عزل مرسي، وإعلان الجماعة إرهابية، في العديد من الدول العربية والإسلامية، جعل النمسا تضع الإخوان تحت الميكرسكوب، والكيانات المرتبطة بها، وباتت هناك حالة من الترصد والقلق، أصر على تصاعد المطالبات في دوائر السلطة التنفيذية بضرورة ترحيل العناصر الإخوانية خارج البلاد.
حصاد الجماعة
رغم تدقيق السلطات النمساوية، على منهجية عمل الإخوان، والانتباه لما يمكن أن تشكله من خطورة، إلا أن ما زرعته الجماعة على مدار العقود الماضية، نجح ولو جزئيا، بالضغط على النخب الثقافية والسياسية والاجتماعية، ومؤسسات المجتمع المدنى، لتسويق فكرة المظلومية، التي نجحت في إقناع السلطات بإبقاء الحوار مؤقتا بين الجماعة وحكومة النمسا قائما، بحجة تجنب تعزيز التطرف.
الحالة الإخوانية في النمسا، كانت ملحوظة بالتأكيد لأغلب أجهزة المخابرات ومراكز الأبحاث المعنية بالأمر في العالم، وهي المعضلة التي رصدها الباحث الأمريكي، «جون زاراتي»، الذي طالب مؤخرا النمسا بإجراء مراجعة داخلية للجماعة، على أقل تقدير، لو كان أمر الطرد يحاط به صعوبات كثيرة.
واستند الباحث الأمريكي في خطابه لمؤسسات الحكم في النمسا، إلى «بريطانيا» الحليف التاريخي للإخوان، التي أجرت مراجعات عام 2014، لمراجعة فكر وأهداف التنظيم، في ظل تغير وضعها في العالم، وانتهاج أعضائها والخارجين من عبائتها من التنظيمات الدينية، للتطرف والعنف المنظم.
سر الحوار مع الجماعة
يقول سامح عيد الباحث في شئون الجماعات الإسلامية، إن الإخوان لها نفوذ قوي حتى الآن في الدول الغربية، وبعض هذه البلدان وإن كان يتابع حركة الإخوان في العالم عن قرب، إلا أنه يرى أن الحوار معها قد يشكل سلامة للبلدان من تفشي العنف.
وعن استمرار الجماعة في النمسا حتى الآن، يرى «عيد» إن الإدارة الأمريكية نفسها حتى هذه اللحظة، غير قادرة على إصدار قرار بتصنيف جماعة الإخوان تنظيمًا إرهابيًا، بسبب العديد من التشابكات المعروفة في المجتمعات الديمقراطية، بجانب إقامة الجماعة علاقات نافذة منذ زمن، مع دوائر الحكم والسلطة والمؤسسات، وإن تراجعت العلاقة نسبيا ولكنها حتى الآن لا زالت قادرة على التأثير في مراكز صنع القرار، رغم التوجس الملحوظ والحذر منها.