رئيس التحرير
عصام كامل

«فيتو» تقتحم إمبراطورية الرعب بجبل البطيخ في قنا.. اكتشفنا إهمال هيئة الآثار لـ«كنوز الطارف».. تجار المخدرات والسلاح يستخدمون مجموعة كبيرة من الدروب والمدقات.. والكهوف لـ«تخزي

فيتو

لسنوات طويلة ظلت المناطق الجبلية في «حمردوم» الواقعة في شمال محافظة قنا، مأوى للخارجين على القانون من تجار المخدرات والسلاح والهاربين من السجون، وعتاة الإجرام من البلطجية والقتلة وقطاع الطرق والمطاريد، ومع الوقت، تحولت كهوفها ودروبها الوعرة إلى مخازن لمختلف أنواع الأسلحة والذخائر، والمواد المخدرة وغيرها من الممنوعات، وتكون فيها ما يشبه الإمبراطورية أطلق عليها البعض اسم “إمبراطورية الدم والرعب”، لا يجرؤ أحد على الاقتراب منها أو محاولة اقتحامها.


“فيتو” خاضت مغامرة مثيرة، تمكنت خلالها من اقتحام تلك المنطقة بالغة الخطورة، لتكتشف مفاجآت مثيرة عن جبل “حمردوم” أبرزها وجود نقوش ورسومات فرعونية وسراديب قديمة، تؤكد القيمة الأثرية الكبيرة لهذا الجبل، والسطور التالية تحمل تفاصيل المغامرة.

كانت عقارب الساعة تشير إلى السادسة صباحًا، عندما انطلقنا داخل سيارة خاصة، يرافقنا اثنان من أهالي المنطقة على دراية كاملة بالدروب الصحراوية المحيطة بجبل “حمردوم”.. وفي الطريق تبادلنا الحديث مع مرافقينا حول الجبل وطبيعته وأسراره فقالا: “الجبل يعتبر امتدادًا لسلسلة جبال البحر الأحمر، وطبيعته صخرية صلبة وتضاريسه حادة، وتكثر به الشقوق والكهوف خصوصا في المناطق المرتفعة من الجبل والتي يصعب الوصول إليها، هذه الطبيعة جعلت منه ملاذًا آمنًا للعناصر الإجرامية الهاربة من تنفيذ أحكام بالإعدام أو السجن المؤبد، ومنهم من صدرت ضده أحكام بالسجن لأكثر من 100 عام، ومن بينهم أيضا هاربون من الثأر ومع الوقت تحولوا إلى قطاع طرق.

للجبل عدة أسماء يطلقها أهالي المناطق المحيطة عليه من بينها جبل النعناع وجبل أبو مناع، والاسم الأخير نسبة إلى أحد كبار المطاريد الذين عاشوا في كهوف الجبل قبل سنوات، وهناك تسمية أخرى لجبل حمردوم هي “جبل فدان البطيخ”، وترجع هذه التسمية إلى وجود أعداد كبيرة من الصخور المستديرة تشبه البطيخ، وعند كسرها تخرج منها كرة أصغر وهكذا، إلى أن تتحول إلى ما يشبه الزلط والرمال شديدة البياض.

سألنا مرافقينا عن طرق التهريب السرية التي يلجأ إليها تجار المخدرات والسلاح بالمنطقة فأجابا: “هناك مجموعة كبيرة من الدروب والمدقات خلف الجبل تصل جنوبا إلى وادى قنا، وتمتد إلى محافظة سوهاج شمالا، وهى الدروب التي يسلكها تجار السلاح والمخدرات، ولا يعرفها سوى عدد محدود من “الأدلاء” وقادة العصابات، أيضًا يستخدم هؤلاء المغارات والكهوف والشقوق المرتفعة، في تخزين بضائعهم لحين توصيلها إلى راغبي الحصول عليها”.

الصعود إلى قمة “البطيخ”
بعد نحو الساعة من توقف السيارة أعلن مرافقانا وصولنا إلى المنطقة الجبلية في “حمردوم” وأكدا وجود مناطق يمكننا الدخول إليها ومناطق أخرى “محرمة”، ولا يمكن لأي شخص الاقتراب منها نظرا لتمركز عدد كبير من عتاة الإجرام بها وكثرة “الناضورجية” في الطرق المؤدية إليها.

بدأنا رحلة صعود الجبل وشاهدنا الصخور الكروية –شبيهة البطيخ- ومع الصعود لاحظنا بعض الشقوق وفتحات الكهوف التي بدت وكأنها مهجورة، وعلمنا من مرافقينا أنها كانت عبارة عن مقار لعدد من كبار المطاريد، ومن بينهم “ربيع نوفل” المعروف بخط الصعيد، ولاحظنا أيضًا وجود مغارة في منتصف الجبل تقريبًا، تم إعدادها وتجهيزها بحيث تبدو كأنها غرفة معيشة بداخلها لمبة مضاءة، وتوجد آثار طلقات نارية بجدرانها ما يوحى بوقوع اشتباكات بداخلها أو بالقرب منها، وتبين أن الحملة التي شنتها الأجهزة الأمنية مؤخرًا على المنطقة، شهدت تبادلا كثيفا لإطلاق النار مع “سكان الجبل”، ما تسبب في تدمير أجزاء كبيرة من محتويات تلك الغرفة.

حاولنا دخول المغارة وتصوير محتوياتها عن قرب غير أن مرافقينا رفضا ذلك رفضًا قاطعا، وأكدا أنها من المناطق المحرمة، وعلينا النزول من الجبل بسرعة قبل أن نلفت الأنظار إلينا.

آثار من مختلف العصور
انتقلنا إلى قمة جبلية أخرى تعرف باسم “جبل الطارف”، وعنها قال أحد مرافقينا: “هذا الجبل له أهمية تاريخية وأثرية، ففى عام 1945 عثر أحد المزارعين على إناء فخارى قديم داخل مغارة وعندما كسره ظنا منه أنه يحتوى على كنز ذهبى عثر بداخله على مجموعة من المخطوطات القبطية القديمة، فسر البعض وجودها بفرار بعض الرهبان قديما إلى الجبل والاختباء في مغاراته وكهوفه، هربا من الاضطهاد في العصور الرومانية والوثنية.. وفى هذا الجبل أيضًا توجد مقابر “حمردوم” الأثرية المحفورة في الصخور ومن بينها مقبرتا النبيلان “ثاونى”، و”أدو” وعلى جدرانهما كتابات فرعونية توضح ألقابهما، وعلى مقربة منها عثر على خبيئة تماسيح مختلفة الأحجام وبعض رءوس الحيوانات ومومياوتين مهشمتين لتمساحين طول كل منهما 120 سم، وتماسيح أخرى بأطوال متباينة، وأدوات تحنيط ولفائف كتان، كانت تُستخدم عند الفراعنة أثناء عملية التحنيط”.

واصلنا رحلتنا المثيرة في “جبال حمردوم”، وصعدنا إلى قمة أخرى لنشاهد عددًا من الكهوف المنحوتة وسط الصخور الصلبة توجد عليها أرقام غير واضحة الدلائل، وعلمنا أن مسئولى الآثار هم من وضعوا تلك الأرقام، ولاحظنا نقوشًا ورسومًا فرعونية واضحة على مدخل أحد هذه الكهوف وبقايا لوحات ملونة بما يوحى أن هذا المكان ربما يكون معبدا قديما أو منطقة مقابر فرعونية لم تبح بعد بأسرارها

حكايات الشيخ “عابد القرنة”
في طريق العودة وبعد أن ابتعدنا عن المناطق شديدة الخطورة، سمعنا أصواتًا تصدر من خلف صخرة ضخمة تقف منفردة في المنطقة الواقعة أسفل الجبل، وعلمنا بوجود “مقام” لأحد المشايخ القدامى اسمه “عابد القرنة” وقد تم طلاؤه باللون الأخضر كى يسهل وصول “المريدين”من أهالي المناطق المجاورة إليه. وبحسب مصادر خاصة، فإن هذا الضريح أو المقام، يعد مقصدا لأصحاب الحاجات مثل العوانس والعاقرات والمرضى، وهم يأتون لزيارته وإشعال الشموع بداخله، ظنًا منهم أن صاحب المقام له كرامات وسيحقق أمنياتهم وأحلامهم.

اقتربنا من المقام ووجدنا به حصيرة من الخوص، وشموع كثيرة بعضها تم إشعاله والبعض الآخر ما زال كما هو داخل كراتين، وسجادة صلاة قديمة وبعض أعواد الكبريت وحبل مصنوع من البلاستيك، وهو معلق عليه أوراق صغيرة مطوية، تحمل أمنيات وأسرار مريدي الشيخ “عابد القرنة”.

أثناء وجودنا حضرت سيارة يستقلها عدد من الرجال والنساء والأطفال يحملون معهم بعض الأطعمة ويطلقون الزغاريد ويرددون الأغانى، وتبين أنهم أصحاب عرس، وجاءوا بعروسهم إلى المنطقة لنيل بركات الشيخ “عابد”، وعندما اقتربنا منهم توقفوا عن الغناء ظنا منهم أننا نحمل هوية رسمية أو أننا سنغلق المكان ونمنعهم من الحضور إلى ضريح “شيخهم المبروك”، ورفضوا التحدث معنا ثم انصرفوا في هدوء.

وفى طريق العودة استمعنا إلى العديد من الحكايات عن هذه المنطقة والتي يطلق عليها اسم “الجبل السفلى” من بينها وجود الجن والعفاريت به، والدليل على ذلك صدور أصوات غير مفهومة من المكان ليلا واختفاء أي شيء يتم وضعه في المنطقة، وشعور أي شخص برجفة في جسده وثقل في قدميه وضيق في التنفس عند مروره بالقرب من المكان، وأن هذه العفاريت هي التي تحقق الأمنيات إكرامًا للشيخ “عابد”.. وعلى الرغم من كل ما رأيناه داخل جبال “حمردوم”، فإن مغاراتها وكهوفها ودروبها، ما زالت تحمل الكثير من الأسرار التي لم تتكشف بعد.

قبل أن نغادر المنطقة، قررنا التجول في القرى القريبة منها، والتحدث مع بعض الأهالي لمعرفة مدى تأثير وجود العناصر الإجرامية في الجبال على حياتهم اليومية، في البداية أكد أحد الأهالي –رفض الإفصاح عن هويته- أن العناصر الإجرامية الموجودة في الجبال المتاخمة للقرية، تسببت في العديد من المشكلات وأثارت الفزع والرعب في نفوس الجميع، فلا نستطيع التحرك بحرية في المناطق القريبة من الجبل، أو استصلاح الأراضى وزراعتها.

قرية الدم والنار
وأشار محمود لطفي، موظف، إلى أن أسباب إطلاق اسم «قرية الدم والنار» على القرية نتيجة بعض المشكلات والخلافات الثأرية التي كانت تعاني منها القرية لفترة من الزمن ولكن الأمر اختلف هذه الأيام كثيرًا ولكن مع الأسف لا تزال القرية تحتاج للكثير من الخدمات التي باتت تمثل أزمة بالنسبة لنا ولأطفالنا فليس معقولًا عند وقوع أزمة صحية لمريض اصطحبه إلى نجع حمادي أو مدينة قنا أو سوهاج مثلًا بهذا يفقد المريض حياته أو المصاب وحتى في أقل الأشياء وهي لدغ العقرب نجد أنه لا توجد أمصال كافية ولا يوجد طاقم تمريض يتمكن من توفير العلاج اللازم للمريض الذي يحتاج إلى إنقاذ لحياته أو طفل، وهنا في فصل الصيف تكثر لدغات العقارب والثعابين نظرًا لطبيعة القرية الجبلية الوعرة التي تكثر فيها تلك الأشياء.

"نقلا عن العدد الورقي"..
الجريدة الرسمية