رفقا بالغلابة!
ليس المقصود بالغلابة، ملايين المصريين من محدودي الدخل، الذين يحصلون على قوت يومهم بصعوبة بالغة، وإنما يشاركهم المعاناة ملايين من أبناء الطبقة الوسطى، الذين لم يعد بمقدورهم احتمال غلاء الأسعار ولا مواجهة أعباء الحياة برواتبهم الضعيفة.
أما أصحاب المعاشات فحدث ولا حرج، فما أكثر المآسي التي يتعرضون لها، بدءا من استحالة الحصول على احتياجاتهم الأساسية التي كانت توفرها رواتبهم المحدودة أثناء الخدمة، فما بالك عندما تتناقص دخولهم، ولم يعد المعاش يكفي لتغطية بند واحد خاص بالعلاج والدواء، وتطالعنا الصحف كل يوم بمآسٍ تؤلم أصحاب الضمائر الحية، وإن كانت لم تحرك وزراء الحكومة الذين لا يشعرون بمعاناة تلك الفئة التي تجاوز أعدادها الملايين، بدليل أن الحكومة لجأت إلى محكمة الأمور المستعجلة لوقف الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا.. لصالح فئة من أصحاب المعاشات.
وإذا انتقلنا إلى متابعة أحوال ملايين المزارعين الذين هجروا حرفة الزراعة، بعد الارتفاع الجنوني في أسعار مستلزمات الإنتاج من أسمدة ومبيدات وسولار وغيرها من الاحتياجات التي كانت تدعمها الحكومة، وتضاعفت أسعارها بعد أن تخلت عن دعمها، بينما أسعار المحاصيل التي تحددها الحكومة خاصة القمح وقصب السكر والبنجر، لم تعد تتناسب مع تكلفة الإنتاج.
والقائمة تطول لتشمل قطاعات واسعة من المصريين، الذين أرهقتهم قرارات الإصلاح الاقتصادي، وتحملوا المعاناة على أمل ألا تقتصر عليهم وإنما يشاركهم الأغنياء، وأن تلتزم الحكومة بوقف الإسراف وبالتقشف الذي يتناسب مع التحديات الاقتصادية الصعبة التي تواجه البلاد.
في ظل تلك الأوضاع الخانقة يوافق مجلس الشعب على زيادة رواتب رئيس الوزراء ورئيس مجلس الشعب والمحافظين ونواب المحافظين، ولا يكتفي بالزيادة وإنما يتقرر معاش للوزير يصل إلى ٣٠ ألف جنيه، بالإضافة للمعاش الذي كان يحصل عليه من عمله السابق.
وأكثر ما يستفز المواطنين ما يصدر عن الجوقة الإعلامية التي تبرر هذا القرار، وتصفه بأنه «إعادة الحق إلى أصحابه» ويرى أحدهم أن الوزراء «أصبحوا خارج دائرة الظلم» وإعلامية بارزة ترى أن ٤٢ ألف جنيه راتبا شهريا لا يكفي احتياجات الوزير، ما دفع إعلامي آخر للمطالبة برفع الحد الأقصى للأجور حتى يحصل الوزراء على ما يستحقون من رواتب.. ولا عزاء للغلابة.