رئيس التحرير
عصام كامل

الحريديم.. وقود الحرب الأهلية في الاحتلال الإسرائيلي

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

دائما ما يبدي الاحتلال الإسرائيلي اهتماما بالغا بتعداد السكان سنويا وزيادة نسبة المواليد –خاصة داخل الوسط اليهودي- بالمقابل لزيادة تعداد الفلسطينيين والعرب داخل دولة الاحتلال، حيث نشرت دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية تقديرات ديموغرافية حول أعداد السكان حتى عام 2065.


وفي تقريرها الحديث، تقول دائرة الإحصاء إن عدد السكان بدولة الاحتلال سيبلغ قرابة 30 مليونًا من اليهود والفلسطينيين بحلول 2065، ومن بين هؤلاء، سيشكل الفلسطينيون من سكان الأراضي المحتلة عام 1948 قرابة 40%، فيما سيشكل اليهود البقية.

الفلسطينيون نصف التعداد
وبحلول ذلك العام، سيشكل الفلسطينيون نصف عدد السكان الكلي، الذين يسكنون ما بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، أي بإضافة سكان مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، أما سكان القدس الشرقية، وسكان مرتفعات هضبة الجولان السورية المحتلة فتشملهم إسرائيل في إحصاءاتها ضمن سكان الاحتلال.

وتقوم دائرة الإحصاء بإسقاط مؤشرات النمو السكاني الحالية على سنوات قادمة، من أجل التنبؤ بأعداد السكان خلال السنوات القادمة، ما يعني أن المعلومات الواردة قد لا تكون دقيقة بالكامل، وقد تتعرض لهزات كبيرة إذا ما وقعت أحداث كارثية.

أحد مكونات الصراع
تولي إسرائيل أهمية كبيرة جدا لمؤشرات الديموغرافيا السياسية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتعتبر ذلك أحد مكونات الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين؛ إذ ترى أن تفوق اليهود عدديا على الفلسطينيين هو أحد سبل القضاء على الفلسطينيين بالكامل، على اعتبار أن عامل التفوق السكاني يلعب دورًا في إقصاء الفلسطينيين عن أرضهم.

دفع اليهود للإنجاب
وتسعى إسرائيل عبر نشر مثل تلك الإحصاءات، إلى دفع اليهود إلى إنجاب مزيد من الأطفال من أجل تعديل الميزان الديمغرافي، ومن أجل تطبيق برامج اليمين الحكومية، في الضفة الغربية وفي القدس المحتلة، عبر تقديم مبررات للاستيطان غير الشرعي.

ومن أجل ذلك، تقوم إسرائيل بعمل توقعات سكانية بشكل دوري، تشمل أعداد الفلسطينيين والإسرائيليين واليهود خارج إسرائيل، بهدف عرضها على صناع القرار، من أجل المساهمة في وضع خطط لزيادة الهجرات الصهيونية إلى فلسطين، بهدف زيادة أعدادهم داخل الأراضي المحتلة، حين يختل الميزان الديموغرافي لصالح الفلسطينيين.

وبحسب ما يوضح الباحث في الشئون الإسرائيلية عدنان أبو عامر فإن صناع السياسات في إسرائيل يسترشدون بهذه الإحصائيات من أجل اتخاذ قرارات فيما يتعلق بقضايا التبادل السكاني أو ضم المستوطنات، في خطوات أحادية الجانب، من شأنها أن تحل المشكلة الديموغرافية الإسرائيلية.

الحريديم سلاح إسرائيل
وبسبب نسبة المواليد العالية لدى النساء الفلسطينيات، تتوقع دوائر الإحصاء الإسرائيلية أن تستمر أعداد الفلسطينيين بالتزايد، مقارنة بنمو سكاني منخفض لليهود، الفئة اليهودية الوحيدة التي تكون فيها نسب النمو السكاني مرتفعة هي فئة اليهود الحريديم (المتدينين)؛ الذين تصل معدلات الإنجاب لدى نسائهم نحو 10 أطفال لكل امرأة في سن الإنجاب.

تزايد أعداد الفلسطينيين
وتتابع إسرائيل تقديم مثل هذه الإحصائيات من أجل التأكد من حفاظ المشروع الصهيوني على الأسس ذاتها التي قام عليها، والتأكد من عدم وجود انحرافات عن البوصلة السياسية التي نشأت على أساسها دولة إسرائيل عام 1948.

بحسب تقديرات الإحصاء الإسرائيلي فإن عدد سكان إسرائيل مع بداية العام الجاري وصل إلى 8.8 ملايين نسمة، منهم 7 ملايين يهودي، إلى جانب 1.8 مليون فلسطيني عرب إسرائيل، بدون احتساب سكان الضفة وغزة.

وحسب التوقعات سيصل العدد الإجمالي إلى 10 ملايين نسمة مع دخول العقد الثاني من القرن الحالي (2020)، وإلى 15 مليونا مع نهايات العقد الرابع (نحو العام 2040)، وإلى 20 مليونًا بين 2050-2060.

وتتوقع إسرائيل أن يتزايد أعداد السكان العرب الفلسطينيين بنسب أعلى من نسب اليهود، ما يعني أن أعداد الفلسطينيين ستتسارع أكثر من أعداد اليهود، الأمر الذي ينظر إليه على أنه خطر كبير يهدد "الدولة اليهودية".

مواجهة الزيادة بالحريديم
الحل الوحيد الذي تنظر إليه الحكومات الإسرائيلية على أنه السبيل لمواجهة الزيادة الفلسطينية العالية هو الحريديم؛ باعتبار أن معدلات الولادة لدى نسائهم عالية مقارنة باليهود غير المتدينين، ما قد يرفع معدل الولادات الكلي لإسرائيل نسبيا، المشكلة بحسب ما يوضح الباحث في الشئون الإسرائيلية عدنان أبو عامر هي عدم وجود زيادات في معدلات وفيات العرب، الأمر الذي يعني أن قضية تراجع أعداد السكان العرب مرهون بقضايا معيشية أخرى، قد تؤثر على طبيعة نمو السكان العرب.

خطورة الحريديم
أما بالنسبة للحريديم فيوضح الباحث أبو عامر أنهم يشكلون رقم مهم في الميزان الديمغرافي مع الفلسطينيين، لكن صنّاع القرار لا يكتفون بالنظر إلى المركبات الإحصائية فيما يتعلق بالحريديم، وإنما ينظرون أيضًا إلى الخلافات التي يمكن أن تؤدي إليها زيادتهم السكانية، وإلى الفجوات التي تنشأ في المجتمع الإسرائيلي نتيجة هذه العلاقة مع مثل هذه الفئات.

عبء على الاحتلال
وينظر المجتمع الإسرائيلي إلى الحريديم على أنهم عبء على الدولة؛ لأنهم يحصلون على الأموال من الحكومة، فيما لا يشاركون في سوق العمل، وفي الأعمال المجتمعية، فيما تتزايد المخاوف من زيادة قدرتهم على التأثير على صناع القرار، باعتبار أن زيادة الثقل النسبي لهم في الحكومات المقبلة ستؤدي إلى زيادة تأثيرهم على صناعة السياسات، بحسب ما يؤكد أبو عامر.

40 % من اليهود
ويتوقع تقرير الإحصاء أن تصل نسبة الحريديم عام 2065 إلى قرابة 40% من السكان اليهود، فيما بلغت نسبتهم عام 2015 قرابة 15% فقط من إجمالي عدد اليهود في إسرائيل.

وعلى الرغم من مخاوف إسرائيل حاليًا من الزيادة المتسارعة لأعداد الفلسطينيين مقارنة بأعداد اليهود، إذ ترى في ذلك اختلافًا في ميزان المجموعات العرقية، وقد تتفوق مجموعة العرب غير اليهود على الإسرائيليين اليهود، فإنها في الوقت نفسه، تتخوف من قضايا زيادة أعداد الحريديم، خاصة أن ذلك سيكون لذلك تأثير على طابع دولة إسرائيل الثقافي والاقتصادي والسياسي؛ فمثلًا، إذا ما استمرت أعداد الحريديم بالتزايد، ستتصاعد الفجوات الاجتماعية الداخلية، بما قد يهدد المجتمع الإسرائيلي بالحروب الأهلية، خصوصًا مع رغبة الأطراف الفاعلة في الحصول على مقدرات الدولة السياسية.
الجريدة الرسمية