وعادت مصر جميلة؟
أول أمس جمعني لقاء مع رئيس اتحاد الجامعات الإيطالية امتد حتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالي تجولنا خلاله في أكثر من مكان من التجمع الخامس في القاهرة الجديدة إلى جاردن ستي في وسط البلد، ثم إلى نهر النيل في العجوزة، الرجل لم يُصدق أنه موجود في القاهرة، لأن قبل مجيئه ومن كثرة ما سمع وشاهد تخيل أن بحور الدماء في شوارعنا وصوت القنابل والرصاص لا ينقطع وحوادث القتل والخطف على مدار اليوم (صورة ريجيني في خياله)، وأنه لن يرى الشارع وسوف يظل محبوسا في الفندق، ولن يخرج منه إلا على المطار هذا إن كان ما زال في عمره بقية وعاد إلى بلده سالما.
الضيف الإيطالي وجد الحياة في مصر مستمرة بلا انقطاع لمدة 24 ساعة، شاهد بنفسه فتيات صغيرة تسير في الشوارع بمفردهن وأخريات يقدن سياراتهن في أمن وأمان، شاهد أيضا المقاهي والمطاعم مفتوحة على مدار الساعة، وجلسات السمر والسهر لا تنقطع، الضيف الإيطالي رأى أنوار المراكب النيلية لا تنطفئ، وشوارع العاصمة مزدحمة بالشباب الصغير وبالرجال والنساء وكذلك الأجانب يدخنون الشيشة ويسيرون بطمأنينة منتصف الليل في شوارعنا، باختصار الرجل استمتع بالزيارة وكان مبهورا وشعر بالأمن والأمن وكأنه لم يخرج من بلده.
الضيف الإيطالي كان مرعوبا من زيارة القاهرة وهو معذور في ذلك، لأن الصورة التي يصدرها الإعلام عن مصر أنها تحت سيطرة الإرهاب وتفتقد للأمن والأمان، والمواطنون يلزمون منازلهم مع غروب الشمس، ليس الإرهاب فقط بل الفساد والعشوائيات والمجاري والفوضى والبلطجة، وللأسف هذه الصورة التي يراها العالم عنا مصدرها الفن والإعلام المصري الذي لا يرى في بلده إلا الصور السلبية، والإعلام الغربي يترصد لنا ويستند إلى كلامنا لتشويه صورتنا، وكاد لسان الضيف يقول بلدكم جميلة فلماذا تُسيئون إليها؟
بلا شك أن مصر عاشت أيام عصيبة خلال السنوات الماضية، كادت تعصف بها ولكن بفضل تماسك شعبها وقوة جيشها وشرطتها وقيادتها استطاعت اجتياز هذه المرحلة العصيبة، وصحيح ما زال هناك بعض الإرهابيين الخونة يستهدفون أبناءنا، ولا يريدون لنا الاستقرار ولكنهم قلة لن تستطيع وقف مسيرتنا، ولا تُوجد دولة في العالم آمنة بنسبة 100%.
لذلك أتمنى تغيير لغة خطاب المسئولين والإعلام والدراما، وأن تكون حول الانجازات والخطط والطموحات والمشروعات والمستقبل المشرق والإصلاحات وجمال بلدنا، لأن كثرة الكلام عن الإرهاب يُصدر صورة سلبية ولا يُسهم في جذب استثمار أو سياحة، وتناول الحوادث الإرهابية يجب أن يكون في حدودها دون تضخيم أو تسليط الضوء عليها بأكثر مما تستحق.
كما أتمنى إقامة نصب تذكاري في أحد الميادين المهمة بكل محافظة لأبطالها الشهداء في مكافحة الإرهاب بدلا إطلاق أسمائهم في أماكن متفرقة على المدارس والحدائق والشوارع ومراكز الشباب والمستشفيات وغيرها مما قد يوحي وكأننا بلد كلها شهداء، وتعيش في حالة حرب مستمرة وهذا غير صحيح، وقد يؤثر على مناخ الاستثمار والسياحة والأمن في مصر.
للشهيد دين في رقابنا ولن نستطيع الوفاء به حتى يوم الدين، وأفضل تكريم له رعاية أسرته طوال حياتهم وتذكير الأجيال بما قدمه لوطنه من خلال نصب تذكاري مُجمع لكل الشهداء ويكون على خريطة الرحلات المدرسية، حتى يتعلم أطفالنا أهمية التضحية والفداء.
بلدنا جميلة، وسوف تظل في أمن وأمان بفضل شعبها المحترم الذي يظهر مخزونه الحضاري وقت الأزمات، وبفضل قيادتها المخلصة الوطنية وجيشها العظيم وشرطتها الباسلة، فقط تحتاج منا إلى إظهار صورتها الجميلة ووجها الحقيقي بدلا من تصدير الصورة السلبية، وتحيا مصر.
egypt1967@yahoo.com