رؤية الله
قضية منطقية متفق عليها هي أن النسبي لا يمكن أن يُحيط بالمطلق، وبما أن الله مطلق لذلك فإننا أهل النسبية لا يمكن أن نراه، ولذلك أيضا عجز سيدنا موسى عن رؤية الله وتفتت الجبلُ عندما تجلى له ربُ العزة، لذلك فإن الله سبحانه قد هيأ الرسولَ صلى الله عليه وسلم لرحلة الإسراء والمعراج تهيئةً خاصة، فالجسد بطبيعته العادية لا يمكن أن يخترق حُجب الزمن فيُسرى به ثم يُعرج به ثم يعود إلى مكانه ولم تمر عليه إلا دقيقة!
ولكن إذا هَيَّأ الخالقُ تهيَّئ المخلوقُ، وكان من ناتج هذه التهيئة أن أصبحت طبيعة الرسول في البداية نورانية ملكية، وبهذه النورانية انتقل إلى عالم الملائكية وخضع لقوانينهم، وقبل أن يدخل إلى سدرة المنتهى هيأهُ اللهُ لطبيعةٍ تتخطى نورانية الملكية، لذلك قال له جبريل تقدم أنت وادخل سدرةَ المُنتهى فلو تقدمتُ أنا لاحترقت ولو تقدمتَ أنت لاخترقت..
إذ إن نورانية جبريل لم تكن لتسعفه على تحمل سدرة المنتهى، حيث "لا مكان ولا زمان" وحيث اللامكان واللازمان تتعطل الحواس البشرية كلها، ومن أجل هذا فإننا لا نستطيع وقتئذ أن نتحدث عن قوانين البشر في الرؤية والنظر والبصر والسمع والشم واللمس، ولكن من سيكون في سدرة المنتهى سيخضع لقوانينها في الاستقبال والإحساس لا قوانين الحياة الدنيا.
وإذ ظن البعض أن قوانين الجسد البشري الطيني هي التي كانت تصاحب الرسولَ في المعراج، لذلك فَهِمَ "الرؤيةَ" الواردة في سورة النجم على أنها كانت لجبريل عليه السلام، ولكن كيف تكون لجبريل وهناك من يُماري فيها مصداقا لقوله تعالى "أفتمارونه على ما يرى"؟ وكيف يكون لم ير إلا جبريل وتكون آيةً كبرى!
وجبريل كان يتنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم كل حين! وكيف يكون قد رأى جبريل بالفؤاد فقط وهو الذي يراه في الحياة الدنيا بالبصر! ثم إن الله قال "لقد رأى من آيات ربه الكبرى" وهناك قراءة تقول "لقد رأى من آيات ربه" ثم تكون بعدها وقفة ثم نقرأ "الكُبرى" أي إنه رأى الآية الكبرى من آيات ربه، وهي آية رؤية الله تعالى والله أعلم.