رئيس التحرير
عصام كامل

الحكومة ترفض تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح.. «الزراعة» تخلت عن دورها.. ومصر الأولى في استيراده.. 16 مليون طن حجم الاستهلاك سنويًا.. وتضارب بين تصريحات قيادات الزراعة

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

الأرقام الرسمية لاستهلاك القمح في مصر، تؤكد أننا نستهلك 16 مليون طن سنويا، ننتج منها ما بين 7 و8 ملايين طن، ونستورد البقية من الخارج، حيث تصنف مصر كأكثر دولة مستوردة للقمح في العالم.


الوضع الذي وصل إليه ملف الاكتفاء الذاتي من القمح، يدل على تردد الدولة بين التوسع في زراعته وزيادة الإنتاجية، وبين الاستيراد كأسهل الحلول للمشكلة.

غير مجدية
يقول الدكتور محمد فتحي سالم، أستاذ الزراعة بجامعة المنوفية، والمستشار السابق بمنظمة الفاو: إن أسعار القمح بالنسبة لتكلفته غير مجدية، وتؤدى إلى هجرة المزارعين لزراعته، علما بأن أسعار القمح عالميا ارتفعت في مارس الماضي لتصل إلى 246 دولارًا للطن الواحد، أي إن سعر إردب القمح عالميا وصل إلى 685 جنيها، بالرغم من أن القمح المستورد أقل في الجودة، وفى نسب البروتين التي لا تزيد على 11%، وفى نفس الوقت تدعى الحكومة أنها حددت سعر القمح بناءً على السعر العالمي.

600 جنيه
ويؤكد سالم أن سعر 600 جنيه للإردب لا يعبر عن جودة القمح المصري الذي يتميز عن المستورد بخلوه من السموم الفطرية، ويحتوي على بروتين بنسبة 14-16%، وأن على الدولة أن تسلك مسلك الدول الكبرى التي تدعم مزارعي السلع الإستراتيجية بنحو من 25 :45% من قيمة الإنتاج، وأن الفجوة بين الإنتاج واستيراد الغذاء، وفى المقدمة القمح، تزداد سنويا ما قيمته 200 مليون دولار؛ لأن تعداد الشعب المصرى يزيد سنويا بمتوسط 2.5 مليون نسمة، وإذا ظلت الأسعار على وضعها الحالي فستفقد الحكومة أهم ترس في منظومة الاكتفاء الذاتي، وهو الفلاح، ولفت إلى أن على الحكومة والمراكز البحثية أن تتجه لرفع معدلات الإنتاجية من الفدان الواحد لتصل إلى 30 إردبًا، كبعض الدول التي نجحت في ذلك، حيث تصل نسبة الإنتاج حاليا في مصر إلى 17 إردبًا للفدان في المتوسط، واستمرارها بهذا الشكل لن يؤهلنا لتحقيق الاكتفاء الذاتى من القمح.

47%

الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أكد في تقرير سابق أن نسبة الاكتفاء الذاتى من القمح بلغت 47.5% من إجمالى الاستهلاك البالغ 16 مليون طن سنويًا، وهو ما يناقض تصريحات أخرى أطلقها الدكتور أحمد أبو اليزيد، رئيس قطاع الخدمات السابق بوزارة الزراعة، وقت ولاية الدكتور عصام فايد (2016 -2017)، بأن مصر ستحقق اكتفاء من القمح بنسبة 85% عام 2019، بل وزاد بقوله: إن باب الاستيراد سيغلق نهائيا خلال السنوات المقبلة.

بينما كان معهد بحوث الاقتصاد الزراعى قد أجرى دراسة عام 2005 تتوقع تحقيق مصر الاكتفاء الذاتي بنسبة 63% بحلول عام 2010، وهو ما يدلل على انهيار الخطط التي وضعتها الدولة من قبل، للهروب من اعتلاء المركز الأول ضمن الدول الأكثر استيرادا للقمح.

أزمة الاكتفاء الذاتي
من جانبه، أكد المهندس حمدى عاصي، رئيس قطاع الخدمات الزراعية الأسبق بوزارة الزراعة، أن أزمة الاكتفاء الذاتى من القمح تستوجب أولا أن تتغير عقيدة الدولة للزراعة بدلا من الاستيراد؛ لأنه في حالة إقرار الدولة للاستثمار في الزراعة، فستعلن أسعارًا مرتفعة للقمح قبل موسم الزراعة لتحفز الفلاح، وبالتالى يكون هناك إقبال على زراعة القمح، بدلا من التوجه لزراعة البرسيم الذي ينافس القمح بشراسة في الموسم الشتوي، إلى جانب أننا نفقد نحو 15% من إنتاجنا من القمح بسبب طرق التخزين والنقل المتأخرة.

ولفت عاصي إلى أن الدولة لا تعامل الفلاح بالشكل الذي يليق بالمهمة الثقيلة الملقاة على عاتقه بتحقيق الأمن الغذائي، فكل مزارعى القمح يحققون خسائر كبيرة، بسبب عملية النقل وتسليم المحصول، فبسبب غياب التنسيق والجاهزية للتخزين من جانب الدولة يضطر المزارع لتسليم محصوله على عدة أيام، ويتحمل مقابل ذلك تكلفة النقل، وهو ما يجعله يعزف عن الزراعة في المواسم المقبلة، وبالتالى تزداد الفجوة ويزداد الاستيراد من الخارج لأقماح أقل جودة من القمح المصري.

هجرة المزارعين
وأكد أن تخلي وزارة الزراعة عن دورها في تحديد الأسعار، وتركها القرار لوزارة التموين يساعد على هجرة المزارعين لزراعة القمح؛ لأن التموين مرتبطة أكثر بالتجار، بينما وزارة الزراعة همها وشاغلها الأساسي هو المزارع، الذي يجب أن تعمل على منحه حقه الكامل في مدخلات الإنتاج، وسعر المحصول لتضمن استمراره، إذا كان هدفها تحقيق الاكتفاء الذاتي، فإذا شعر الفلاح أن هناك أسعارًا تحقق له ربحية جيدة، ومساندة في توفير مستلزمات الإنتاج بأسعار جيدة فسنرى زراعة 5 ملايين فدان بالقمح في الموسم الشتوي.

"نقلا عن العدد الورقي.."
الجريدة الرسمية