رئيس التحرير
عصام كامل

أنشاص.. أرض «المفاعلات النووية».. «فيتو» تجولت داخل مصانعها.. وقياداتها: «نسير على الطريق الصحيح».. إنتاج «30 كيوري» من نظائر اليود لعلاج الأورام السرطانية

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

هل تمتلك مصر ثقافة “المفاعلات النووية”؟ هل هناك استفادة من المفاعلات النووية بعيدًا عن الاستخدامات العسكرية؟ هل القاهرة لديها المقدرة على الانضمام لـ«النادي النووى».. أم أن الحلم سيظل لسنوات كثيرة مقبلة يدور في فلك “ما نحلم به ولا نستطيع تحقيقه”؟ الأسئلة السابقة، وغيرها الكثير دارت في أذهاننا، ونحن نتجه إلى شمال شرق القاهرة، تحديدًا إلى منطقة “أنشاص”، أكثر من 40 كيلومترًا تفصلنا عن المكان، لكن سرعان ما قضت السيارة على المسافة تلك، لنقف أمام “بوابات المفاعلات”.





هناك.. أمام بوابات المفاعلات، لا فرق بين موظف عادى ومسئول كبير، الجميع يخضع لـ«التفتيش» من جانب رجال الأمن الذي يتولون مسئولية تأمين المفاعلات من الخارج، إلى جانب الأسلاك الشائكة التي تعلو أسوار المنطقة، وأبراج المراقبة التي تبلغ 50 برجًا، ووجود مكثف يليق بحجم المكان لقوات من الشرطة والقوات المسلحة.

التفتيش
عقب انتهاء إجراءات “التفتيش” الدقيقة، كان في استقبالنا الدكتور ياسر توفيق، مدير مصنع النظائر الموجود داخل المفاعل البحثى النووى في أنشاص، وبرفقته عدد من المهندسين والعلماء الذين يعملون داخل المصنع.

وقبل تصوير المفاعل وما بداخله من مصانع إنتاج النظائر المشعة المعامل ومراكز التخلص من النفايات المشعة، اشترط علينا “د. ياسر” التحرك وفقا لتعليمات العلماء والباحثين في المعمل، كما تسلمنا جهازا صغيرا لقياس نسبة الإشعاع في المكان الذي نقوم بتصويره حتى لا نمتص إشعاعات تؤثر في أجسامنا.

مفاعلان
في أنشاص يوجد مفاعلان.. “الأول” متوقف عن العمل، ويعود تاريخ إنشائه إلى عام 1958، ويطلق عليه “مفاعل مصر”، والذي حصلت عليه القاهرة من الاتحاد السوفيتى، وترجع ملكية المفاعل لهيئة الطاقة الذرية المصرية “EAEA” ومقرها مركز البحوث النووية في أنشاص، وهو من نوع خزان الماء الخفيف “WWR” “تبريد وتهدئة للنيترونات بالماء الخفيف” بقدرة 2 ميجا، وتم إغلاقه في ثمانينيات القرن الماضى لتحديث وتوسيع إمكانيات التشغيل.

لم تقف الدولة مكتوفة الأيدي، وسرعان ما أنشأت مفاعلا بحثيًا رقم 2 في 2013، افتتحه المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء السابق، مساعد رئيس الجمهورية للمشروعات القومية، وبدأ إنتاج النظائر المشعة المستخدمة في المجال الطبى والأغراض الصناعية الأخرى، وحث “محلب” -في ذلك الحين- العاملين على بذل الكثير من الجهد لتلبية احتياجات السوق المحلية، وعدم التركيز على الربحية.

النظائر المشعة
بداخل المفاعل يوجد مصنع لإنتاج النظائر المشعة المستخدمة في التخصصات الطبية، وينتج أكثر من 7 نظائر مشعة، ولكن أكثرهم في الاستخدام الطبى “اليود 131” و”التكنشيوم 99” في تشخيص وعلاج الأورام السرطانية والغدة الدرقية.

بحسب مدير عام مصنع إنتاج النظائر المشعة فإن المصنع بلغت تكلفة إنشائه نحو 25 مليون دولار وينتج 7 نظائر مشعة في المجال الطبي، وينتج نظير “اليود 131” يصل إلى “30 كيوري” وحدة القياس الإشعاعية، مشيرًا إلى نجاح المصنع في تلبية احتياجات السوق المحلية من هذا النظير الإشعاعى بنسبة 100%.

وأكمل: لمن لا يعرف استخدام “اليود”، فهو نوع من العلاج في الطب الإشعاعى يستخدم لعلاج تضخم الغدة الدرقية، وبعض أنواع الأورام السرطانية التي تصيب الغدة الدرقية، ويبلغ نصف العمر لهذا النظير المشع 8 أيام وهو يُختزن في الجسم البشرى في خلايا الغدة الدرقية.

وتابع: أما النظير الثانى فهو مولدات “التكنشيوم 99” وهو عبارة عن جهاز بداخله مادة إشعاعية “التكنشيوم 99” يتم إنتاجها بعد التعرض للتشعيع “الجامى”، ويصل الإنتاج الأسبوعى للمصنع من هذا النظير إلى 30 مولدا ويغطى نحو 67 مركزًا طبيا بـ 20 محافظة، وتلعب “مولدات التكنشيوم 99” دورا مهمًا في المجال الطبي؛ لأنها تستخدم في علاج وتشخيص الأورام السرطانية، وأمراض الكبد والبنكرياس.

الاستيراد
لماذا تستورد مصر نظائر مشعة؟ وفى الجانب الآخر نقول إن مصر قادرة على التصدير، وتلبى احتياجات السوق المصرية في المجال الطبى بنسبة 100%؟ سؤال توجهنا به إلى مرافقنا الآخر في الجولة، الدكتور عاطف عبد الحميد، رئيس هيئة الطاقة الذرية، الذي قال: بالفعل نلبى احتياجات السوق من هذه النظائر، ولكن أود التوضيح أنه فيما يتعلق بالاستيراد، فإن هناك شركات خاصة ملتزمة بتعاقدات خارجية مع دول أوروبية لاستيراد هذه النظائر بعقود طويلة الأجل، ونأمل من هذه الشركات التعاون معنا لتوريد النظائر لهم بعد انتهاء فترة التعاقدات.

لا يهدف القائمون على مفاعل إنتاج النظائر المشعة إلى تحقيق الربحية، بقدر خدمة المراكز الطبية لعلاج الأمراض المزمنة في المستشفيات ومراكز الأورام السرطانية، فيؤكد رئيس هيئة الطاقة الذرية، أنه يتم توفير منتج آمن وبأعلى مواصفات عالمية، مضيفًا أنه خلال تعاملاتنا مع الشركات يتم تعقيم المنتجات الطبية بأفضل وسائل التعقيم في وحدات التشعيع في مدينة نصر والإسكندرية كالفلاتر، ونقل الدم، والخيوط الجراحية.

وفيما يتعلق بالتصدير إلى الخارج، قال “د. عاطف”: بالفعل نصدر ولكن لدولة واحدة “سوريا” في الوقت الحالي، ولكن بشكل متقطع غير منتظم، حيث نصدر لها أسبوعيًا بنحو 10 كيورى من نظير “اليود 131”، وأيضا 10 كيورى من نظير “المولدرم” الخام والذي يستخرج منه مولد التكنشيوم، سعر الكيورى الواحد “وحدة النشاط الإشعاعية” لهذه النظائر يتراوح بين 300 إو400 يورو، وبحساب القيمة الإجمالية المصدر من هذه النظائر إلى سوريا تصل إلى 7 آلاف يورو.

وتابع: في القريب العاجل سنوقع مع سوريا عقود تصدير طويلة الأجل لأول مرة بعد أن وثقت في منتجاتنا أكثر من مرة وهو أمر سيسهم في إدخال عملة صعبة للهيئة والدولة أيضا.

التصدير
وكشف أن الهيئة ستوسع التصدير إلى دول أفريقيا وأوروبا خلال الفترة المقبلة، حيث تم إرسال عينات من النظائر المشعة التي ننتجها من المفاعل إلى دول: روسيا، والأرجنتين، وكوريا، وإندونيسيا، للكشف عنها وخضوعها للاختبار بهذه الدول للتأكد من فعاليتها، فإذا جاءت النتائج مباشرة وثبت أن النظائر المشعة التي ننتجها فعالة وبأعلى المواصفات سيوقعون عقود تصدير مع الهيئة.

وعن الدعم المقدم لمصنع النظائر المشعة بالمجال الطبى قال رئيس الهيئة: يتم بيع مولد التكنشيوم إلى مراكز الأورام بسعر مدعم تتراوح قيمته بين 8 و11 ألف جنيه، مع الأخذ في الاعتبار أنه في حالة استيرادها من الخارج يتراوح سعر المولد بين 16 و30 ألف جنيه، وهو ما يؤكد أن الدعم في المولد لمراكز الأورام يصل إلى 45%.

وقال: حصيلة الأبحاث التي تقوم بها الهيئة في مجالات المفاعلات البحثية النووية تصل إلى 500 بحث منها 200 بحث ينشر في مجلات كبرى ذات تأثير، وأشار إلى أن كل الأبحاث قابلة للتطبيق لخدمة المشاريع، حيث إن احتياجات مصنع إنتاج النظائر مكونات محلية بنسبة 80% عن المستورد، والفضل يرجع إلى التميز في الأبحاث حتى المواد المستخدمة لمفاعلاتنا “محلية”.

ولأن الهيئة تنتهج خطة ثابتة ترتكز إلى أهداف محورية لخدمة الدولة، فأعلن الدكتور عاطف عبد الحميد رئيس الهيئة، عن البدء في إنشاء مصنع لتقنية العجينة الصفراء لإنتاج الوقود النووى لاستخدامه في المفاعلات البحثية، وسيكون من تصميم كوادر مصرية 100%، وسيتم التنفيذ على مرحلتين: المبدئية ستصل تكلفتها إلى 20 مليون جنيه، وتتولى شركة وادى النيل أعمال الإنشاءات والمرحلة الثانية ستصل تكلفتها من 15 إلى 20 مليون جنيه، أي بقيمة إجمالية تصل إلى 40 مليون جنيه.

وأشار إلى أن الهيئة تهدف من إنشاء المصنع إلى إنتاج الوقود النووى من خام اليورانيوم بعد 10 سنوات من تاريخ إنشائه لتوريده إلى محطة الضبعة النووية، وهو ما يشير إلى أن مصر قادرة على إدارة برنامج نووى بكوادر مصرية وبأعلى كفاءة وطبقًا للمواصفات العالمية.

مفاعل نووي
وفيما يتعلق بمدى قدرة مصر على تصنيع مفاعل نووى لإنتاج الكهرباء بكوادر ومكونات مصرية في الوقت الحالي”.. أجاب: يصعب في الوقت الحالى لأن مصر لم تخض المجال في الماضي، وليس لدينا مراكز منشآت تخصيب لخام اليورانيوم لتنقيته لاستخراج الوقود النووى للمفاعل، لكننا قادرون على التخلص من النفايات المشعة والنووية التي ستخرج من المحطات النووية بالضبعة، بكوادر مصرية، وتم تجديد عقد مع الجانب الروسى لاستيراد اليورانيوم المخصب للمفاعلات البحثية بأنشاص لمدة 3 سنوات، موضحا أن مخصصات استيراد اليورانيوم السنوية للمفاعل البحثى بأنشاص تصل إلى 800 ألف دولار.

إلى جانب الإنتاج الذي يقدمه “المفاعل”، فإنه يلعب دورا في تدريب كل الخريجين من كل الدول العربية، كما طبعت هيئة الطاقة الذرية كتبًا على نفقتها الخاصة للطلاب الطلاب الذين سيلتحقون بالمدرسة مختصة بالعلوم النووية وأبحاث المفاعلات بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، لتخريج كوادر فعالة لإدارة برنامج نووى سلمي.

وكشف أنه تم الاتفاق مع إحدى الشركات الألمانية على مشروع لـ”تشعيع الأحجار الكريمة” بالمفاعل، وبعد نجاح التجارب المبدئية لتعريض الأحجار “التوباز” لجرعات مختلفة من أشعة جاما، تم التعاقد بالفعل ويتم استغلال المفاعل حاليا بطريقة منظمة لتشعيع التوباز، مما يدر على الهيئة عائدا كبيرا من العملات الصعبة نظير خدمات التشعيع.

وأوضح رئيس الهيئة أنه “بالتعاون مع أكاديمية البحث العلمى سندرس مشروعا لتحويل السيليكون لشرائح إنتاج الألواح الشمسية، لا سيما أنه تم توريد الأجهزة بالمفاعل للقيام بعمليات التشعيع لإتمام هذه المهام، وتعد هيئة الطاقة الذرية دراسة جدوى اقتصادية مع إحدى الشركات الروسية؛ لبحث تطوير وتحديث المفاعل البحثى الأول، الذي توقف منذ 20 عاما، كما تبحث الهيئة مقترح إنشاء وحدة تشعيع في أسوان للحفاظ على الثروة السمكية القادمة من بحيرة ناصر من التلف والإبقاء عليها طازجة.

"نقلا عن العدد الورقي.."
الجريدة الرسمية