فؤاد حداد يكتب: يا خفيف الظل يا مصر الجميلة
في مجلة صباح الخير عام 1977 كتب الشاعر فؤاد حداد مقالا عن صديقه صلاح جاهين بمناسبة عيد ميلاده قال فيه: "هذا صلاح جاهين عندما تستمع إلى أغانيه وتحسن الإصغاء إليها فتنحني إلى الأرض عندما يقول (الأرض قالت آه، الفاس بيجرحني، رديت أنا محنى آه منك انت آه) وحين قال ( يا حمام الأرض سقف)، ونواكب الفتح الذي استحدثه صلاح جاهين في الأغاني الوطنية منذ نظم نشيدنا الوطني (والله زمان يا سلاحي).
هو أشعر الشعراء حين تطالع كلماته (بكرة أجمل من انهاردة) أو رباعياته الواحدة بعد الأخرى، وأشعر الشعراء حين يفتتح مسرح العرائس أعماله بالليلة الكبيرة بصوت ملحنها ومؤديها سيد مكاوي.
آه من حلاوة كلمات صلاح جاهين، ما أطيب وما أرق وما أبهج يا خفيف الظل يا مصر الجميلة، جمع أخي صلاح جاهين مؤخرا أشعاره التي ظهرت على الورق من قبل في كتابه "دواوين صلاح " يضم ديوان كلمة سلام، موال عشاق القنال، عن القمر والطين، رباعيات، قصاقيص ورق.
عبر شعره عن كل الأشياء وكل الحالات.. الفرح والحزن والضحك والبكاء ومتعة الحياة والاستشهاد والخلود الباقي وذرة الرمل وقطرة الماء، شعره لا تحده حدود، ولا يجري على وتيرة واحدة، شعر رحب مثل أحضان الأمهات، ومثل العين التي تجمع في نظرتها كل نور الدنيا، شعر عريض الصوت لا يخاطب فردا أو أفراد، لكن يخاطب كل من كانت العربية لسانه.
جلست إلى دواوين صلاح جاهين فتهيأ لي أنني لمست بمفردي بل محاط بجمع من الناس يقرأ معي، أو بالأحرى يستمع معي في جلسة ترطب القلب وتجمع الشمل، يعرف صلاح جاهين مكانه ودوره في الشعر العربي المصري بدقة الفنان وعلم الخبير، ففي رباعياته الرائعة يقول:
أنا قلبي كان شخشيخة أصبح جرس.. جلجلت به صحيوا الخدم والحرس
أنا المهرج.. قمتوا ليه، خفتوا ليه..لا في أيدي سيف ولا تحت مني فرس
وفي غنوة أخرى يقول:
يا ساكنين الصفيح.. أنا مانيش المسيح..
علشان أقول طوبى لكم غلبكم.. لكني باحلف بكم.. عجبي
أن صلاح لا يعاود صعود السلم منذ سنوات، وأنا ما كتبت هذا المقال إلا لحبي وتقديري له ليعاود صعود هذا السلم.. أن مصر تريد من صلاح أن يعود إلى الغناء، أن مصر تتوسل إليه بل تأمره، وإن صلاح عائد للغناء بإذن الله، فهذا الغناء أمانة لا بد أن يحملها، إن الغناء حياة.