رئيس التحرير
عصام كامل

نظام رئاسي.. أردوغان يحقق حلم «أوزال» ويخلص تركيا من «لوزان»

فيتو

الكتابة في الشأن التركي الداخلي تشبه السير في حقل ألغام، فالكراهية التي تتملك قلوب المصريين والعرب ضد الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، تفرض نفسها بين السطور بطبيعة الانتماء للأوطان، وبسبب تدخل النظام التركي بشكل فج في السياسة الداخلية للدول العربية، لا سيما الشئون الداخلية لمصر حقبة حكم جماعة الإخوان.


لكن التطرق إلى إعلان الرئيس التركي اليوم، إجراء انتخابات رئاسية مبكرة في بلاده، يتطلب وضع خلافات القاهرة وأنقرة بعيدا، وتنبيه القاهرة من حدث مرتقب في الإقليم سوف يحمل تداعيات خارجية كثيرة توجب على الجميع الاستعداد لما هو آت.

انتخابات مبكرة:



اليوم حسم الرئيس أردوغان، نية بلاده إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة في 24 من يونيو المقبل، وكان من المخطط سابقا عقد الانتخابات المحلية في مايو 2019 على أن يشهد 3 نوفمبر من العام نفسه الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

وكان زعيم حزب الحركة القومية المعارض «دولت بهجلي» اقترح أمس الثلاثاء إجراء الانتخابات الرئاسية قبل موعدها المقرر، وقال: إن من الصعب على البلاد «تحمل الظروف الراهنة» حتى نوفمبر 2019.

وسيخوض حزبا العدالة والتنمية "الحاكم"، والحركة القومية المعارض الانتخابات المقبلة تحت مظلة «تحالف انتخابي»، وبذلك تنهي تركيا عقودا طويلة من النظام البرلماني لتدخل في مرحلة جديدة.

تعديل الدستور:



تعديل نظام الحكم في تركيا، بدأ فعليا في أبريل عام 2017 من خلال الاستفتاء الشعبى على التعديلات الدستورية التي سببت انقساما داخل المجتمع التركي ما بين جبهة معارضة لنقل السلطات كاملة في يد رئيس البلاد، وجبهة مؤيدة اعتبرت أن التعديلات تجعل من تركيا دولة قوية في ظل الظروف الإقليمية الراهنة وتساعدها في الانطلاق نحو سياسة خارجية أكثر قوة.

ولم تخلُ التعديلات الدستورية من تدخلات خارجية، حيث عمدت دول غربية على إقناع المواطن التركى بالتصويت بـ"لا"، فيما أجمع طيف من السياسيين على وجوب الموافقة بـ"نعم" لإنقاذ البلاد.

رغبة قديمة منذ أزمة دميرال:



التحول إلى النظام الرئاسي ليس وحي أردوغان كما يعتقد البعض وكان سببا لخلافات كثيرة، كانت أولى تلك الخلافات في بداية العهد الجمهوري بين مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك وصديقه المقرب عصمت إينونو وانتهت بتقديم الأخير استقالته في أكتوبر 1937.

أيضًا أثرت الأزمة بين رئيس الوزراء سليمان دميرال ورئيس الجمهورية آنذاك فخري كوروتورك على الحياة السياسية التركية وامتد تأثيرها لفترات طويلة، وبدأت الأزمة حين اختلف الطرفان على تعيين قائد القوات البرية بالجيش وهو منصب له أهمية خاصة إذ يعد تمهيدًا لتولي منصب رئيس الأركان.

وكان هناك مرشحان اثنان لتولي المنصب، أصر كل من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء على تعيين مرشحه هو، وهدد كل منهما بالاستقالة حال لم يتم تعيين المرشح الذي يراه مناسبًا، وانتهت الأزمة بإحالة المرشحين إلى التقاعد وتعيين قائد جيش منطقة إيجة الفريق أول كنعان أفرن في منصب قائد القوات البرية؛ مما مهد له الطريق بعد ذلك لتولي رئاسة الأركان وقيادة انقلاب 1980 الذي أطاح برئيس الجمهورية ورئيس الوزراء معًا وأثر على الحياة السياسية في تركيا تأثيرًا لا يزال مستمرًا حتى يومنا هذا متمثلًا في الدستور الذي وضعه الانقلابيون عام 1982، والذي تدار به البلاد حاليًا.

حلم أوزال الذي تحقق:



وكان من أول الداعين لتحول البلاد للنظام الرئاسي خلافٌ بين رئيس الوزراء سليمان دميرال ورئيس الجمهورية تورجوت أوزال، إذ وصل إلى درجة تبادل السباب والشتائم، وفي سابقة هي الأولى من نوعها رفع رئيس الجمهورية قضية تعويض على رئيس الوزراء، وحُكم عليه بدفع مبلغ 10 ملايين ليرة تعويضا معنويا.

الخلاف العاصف باقتصاد تركيا
أدت كثرة الخلافات إلى سوء حال الشعب التركي، وأبرزها الخلاف الذي تسبب في أكبر أزمة اقتصادية عصفت بالبلاد، وكان بين رئيس الجمهورية العاشر أحمد نجدت سيزر ورئيس الوزراء بولنت أجاويد عام 2001.. ويبقى أكبر أزمة محفورة في أذهان الشعب التركي.

ويذكر أن الخلاف بدأ حين ألقى رئيس الجمهورية بكتيب الدستور في وجه رئيس الوزراء خلال اجتماع مجلس الأمن القومي؛ بسبب اختلاف في الصلاحيات الدستورية، بعد ذلك عقد رئيس الوزراء مؤتمرًا صحفيًا أعلن فيه وجود أزمة في إدارة الدولة؛ لتبدأ بعدها أكبر أزمة اقتصادية في تاريخ الجمهورية، فانخفض مؤشر البورصة لـ14.6% وفقدت العملة التركية نحو 40% من قيمتها، ما تسبب في إغلاق 14540 شركة وهروب رءوس الأموال وزيادة نسب البطالة للضعف.

65 حكومة في تاريخ الجمهورية:



من ضمن عيوب نظام الحكم الحالي في تركيا مشكلة الحكومات الائتلافية، ومنذ إعلان الجمهورية التركية حتى اليوم تعاقبت على البلاد 65 حكومة؛ 36 منها لم تكمل عاما واحدًا في السلطة، وبعضها استمر لثلاثة أشهر فقط. وكانت الحكومات الائتلافية هي الطابع الغالب على الحياة السياسية في تركيا منذ الستينيات وحتى أواخر التسعينيات.

وبحسب الخبير في الشأن التركي، عامر سليمان، تؤدي كثرة تعاقب الحكومات وخصوصًا الائتلافية إلى عدم استقرار النظامين السياسي والاقتصادي، كما تتسبب في إحجام المستثمرين عن استثمار أموالهم في البلاد.

صلاحيات الرئيس:



منحت الموافقة الشعبية على التعديلات الدستورية في أبريل الماضي الرئيس عدة صلاحيات من شأنها تثبيت قواعد الحكم وتجنيب البلاد الخلافات المستقبلية التي تهدد استقرارها.. وجاءت كالتالى:

1. منح سلطات تنفيذية معززة للرئيس الذي سيملك تعيين وإقالة الوزراء وكبار الموظفين الحكوميين.

2. إلغاء منصب رئيس الوزراء الذي يتولاه حاليًا بن على يلدريم وتعيين بدلًا منه نائب أو أكثر له عوضًا عنه.

3. السماح للرئيس بالتدخل مباشرة في عمل القضاء، واختيار أربعة أعضاء في المجلس الأعلى للقضاة والمدعين؛ حيث يتولى المجلس التعيينات والإقالات في السلك القضائي، فيما يعين البرلمان سبعة أعضاء.

4. إلغاء المحاكم العسكرية التي سبق أن أدانت ضباطًا، وحكمت على رئيس الوزراء السابق عدنان مندريس بالإعدام إثر انقلاب 1960.

5. فرض حالة الطوارئ حصرًا عند حدوث انتفاضة أو أعمال عنف، وسيكون الرئيس صاحب قرار فرض حالة الطوارئ قبل عرضه على البرلمان.

6. رفع عدد أعضاء البرلمان من 550 إلى 600، وسيتم خفض الحد الأدنى لسن النواب من 25 إلى 18 سنة بهدف تعزيز فرص الشباب في الاندماج بالحياة السياسية.

7. تنظيم انتخابات تشريعية مرة كل خمس سنوات بدلًا من أربع، وبالتزامن مع الاستحقاق الرئاسي.

8. يحتفظ البرلمان بسلطة إقرار وتعديل وإلغاء القوانين والتشريعات.

9. يمتلك البرلمان صلاحيات الإشراف على أعمال الرئيس لكن الأخير سيحظى بسلطة إصدار المراسيم الرئاسية حول كل المسائل المتعلقة بسلطاته التنفيذية.

10. يشغل الرئيس ولاية من خمس سنوات مع ولايتين كحد أقصى.

انتهاء اتفاقية لوزان:



يرى المنخرطون في متابعة الشأن التركي أن تبكير موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في البلاد، جاء على خلفية دخول تركيا في معارك عسكرية بسوريا –عفرين- وتمتد هذه العمليات للأراضي العراقية، في ظل خشية النظام الحاكم من تحريك عناصر داخلية تعمل على تنفيذ انقلاب عسكري على الحكومة الحالية بما يصيب الدولة بالشلل التام.

أيضا تستعد تركيا الحديثة إلى موعد انتهاء اتفاقية لوزان عام 2023، بعد مرور مائة عام من توقيعها عام 1923.

وتأسست الجمهورية التركية الحديثة؛ بناءً على معاهدة لوزان 1923، والتي تم إبرامها مع الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى، وهم: المملكة المتحدة (بريطانيا)، وإيرلندا، وفرنسا، وروسيا، وإيطاليا، وقد وضعت بريطانيا عدة شروط مجحفة ومؤلمة بحق الدولة العثمانية، إذ تم إلغاء الخلافة، ونفي الخليفة وأسرته خارج تركيا، ومصادرة جميع أمواله، وإعلان علمانية الدولة، ومنع تركيا من التنقيب عن البترول واعتبار مضيق البسفور الرابط بين البحر الأسود وبحر مرمرة، ثم إلى البحر المتوسط ممرا دوليا لا يحق لتركيا تحصيل رسوم من السفن المارة فيه.

و بحلول 2023 تنتهي مدة المعاهدة التي يكون قد مر عليها مائة عام، ومن هنا تفهم تصريحات أردوغان، أن تركيا ستدخل عهدا جديدا، وستشرع في التنقيب عن النفط، وحفر قناة جديدة تربط بين البحرين الأسود ومرمرة؛ تمهيدا للبدء في تحصيل الرسوم من السفن المارة. 

أردوغان قال أيضا: إن خصوم تركيا أجبروها على توقيع «معاهدة سيفر» عام 1920، وتوقيع «معاهدة لوزان» عام 1923، وبسبب ذلك تخلت تركيا لليونان عن جزر في بحر إيجه. 

ويصف أردوغان معاهدة سيفر بأنها الشوكة الأولى في الظهر العثماني، لأنها أجبرتها على التنازل عن مساحات شاسعة من الأراضي التي كانت واقعة تحت نفوذها والتي شملت عدة دول بينها مصر وليبيا.

تأسيس الجمهورية الثانية:



صحيح أننا كعرب ننتقد سلوك أردوغان المتعلق بالتدخل في دول الجوار، لكن بمعايير السياسة فهو يرضي الغرور التركي لدى شعبه، الأمر الذي يجعل المنصب لصالحه، وعلينا نحن كعرب الاستعداد لميلاد جمهورية تركية ثانيةً، يُؤسِّس لها أردوغان الآن بعد جمهورية مصطفى كمال أتاتورك.

التغير الحادث في أنقرة الآن مثلما يعزز صلابة الدولة التركية ويخلصها من عقود التبعية للغرب والتحكم في دفة الحكم بها، فالنظام الرئاسي هناك بعد ميلاده رسميا، يدق ناقوس خطر بدور تركي خارجي أكثر تمددا يتطلب ميلاد مشروع عربي منافس للمشروع العثماني الجديد.
الجريدة الرسمية