الكلمة الأخيرة للرئيس!
حسن عباس زكي.. اسم كبير في عالم الاقتصاد فهو رئيس بنك مصر في الخمسينيات، وهو أحد أشهر وزراء الاقتصاد في مصر قبل أن يستقيل ويعتزل العمل العام ويتفرغ تمامًا للعمل المصرفي الخاص، فضلا عن التصوف والعمل الخيري اللذين منحهما مساحة كبيرة من اهتمامه وقبل سنوات قليلة وهو يقترب من الثمانين يروي القصة التالية:
ذات يوم وكنت بمكتبي ببنك مصر فوجئت باتصال من السيد "سامي شرف"، مدير مكتب الرئيس جمال عبد الناصر الذي أبلغني برغبة الرئيس في حضوري لمقابلته.. ذهبت والأفكار في ذهني عن سبب اللقاء وسر الاستدعاء العاجل.. وذهبت.. وبعد الاستقبال رحب بي الرئيس وكنت أراه للمرة الأولى ووجدت هيبة لم أرها من قبل وبريق عينين يصنعان "كاريزما" غريبة..
وبعد أن جلست سألني الرئيس: ماذا يفعل موظف بالدولة لكي يحصل على سلفة؟ قلت: لابد أن الموظف الذي تسأل له مهم جدًا بالنسبة إلى سيادتك.. فقال الرئيس: إنه أنا.. ألست موظفًا بالدولة؟! قلت مندهشًا: سيادتك.. قال نعم.. راتبي 500 جنيه احسب لي كم أستحق؟
قلت: وحسبت المبلغ الذي يمكن إقراضه له وبلغ 7200 جنيه إلا أن الرئيس قال: أريد 10000 جنيه، هذا القرض لزواج بناتي قلت: يمكن في حالة ضمان المقترض رفع المبلغ.. وسألني الرئيس عن الأوراق المطلوبة وأبلغته وتم تجهيزها وانصرفت.. وبعد إنهاء الأوراق ذهبت له وانتظرت بمكتب سامي شرف.. وأثناء الانتظار حضر "عبد الحكيم عامر" وكان يعرفني فبادر بالقول: حسن؟
ازيك.. ماذا تفعل هنا؟ فشرحت له الأمر.. فصاح وهاج وماج وقال كيف يقترض "عبد الناصر" ولدينا ميزانية مفتوحة وهو القائد الأعلى ويمكنه أن يحصل على ما يريد وتركني ودخل إلى الرئيس وعلا النقاش وبعدها وجدت الرئيس يخاطبني من الباب المفتوح وقال: تعال يا حسن.. وكنت قد أتممت الإجراءات فوقع لي وتسلم القرض واستمر خصم القيمة من راتبه!"
انتهت القصة الشهيرة التي رواها الكثيرون من أصحاب الأقلام الشريفة والضمير الحي.. ولكن لماذا نرويها الآن؟ نرويها ليس دفاعًا عن عبد الناصر الذي تدافع عنه السماء كل يوم وتنتقم ممن يفتري عليه وقد جعل الله الإخوان عبره لمن يعتبر.. كما يسخر الله من يدافع عن سيرته وقد شوهها الإخوان ومن أعادهم للحياة ومن تحالف معهم وليس هذا بجديد..
إنما نرويها لنقول إنه كلما زاد نفوذ الأفراد أو الهيئات زاد حرصهم على المال العام وترفعهم عنه أو هكذا ينبغي.. ولا يصح أن تقول الحكومة إننا نؤمن للوزراء حياة كريمة؛ لأن مهمتها هي تأمين الحياة الكريمة للشعب كله والوزراء خدم للشعب وليس العكس، ولا يصح أن يقرر البرلمان وبيده التشريع أي مكاسب لأعضائه وهم في مهمة عامة يخدمون بها شعب مصر!
الرئيس السيسي وقد تبرع بنصف ثروته ونصف راتبه وأعاد الاعتبار لحرمة المال العام واحترامه بعد انقطاع طويل وقد وصل في ذلك ما انقطع، ولكن لم يسر الوزراء على ذات الطريق ولم يكونوا قدوة للناس مثل الرئيس.. ولذلك نأمل أن يرفض سيادته إقرار قانون رواتب ومعاشات الوزراء وخاصة وتحديدًا الجزء الخاص بالمعاشات التي تخرج بالقانون على سياق المساواة بين المصريين أمام القانون..
فضلا عن اختيار توقيت غير مناسب تزامن مع رفض الحكومة الحكم القضائي لمصلحة موظفين غلابة على المعاش وطعنت عليه بما يؤكد سوء التوقيت.. وأن يعيده الرئيس إلى البرلمان بأي مبرر قانوني لتغيير هذا البند فربما عرف البرلمان أيضًا الترفع وراجع ما يقرره لأعضائه!