رئيس التحرير
عصام كامل

«معجزة» علاقة «برلين - تل أبيب» بعد 70 عامًا على اغتصاب أراضي فلسطين

فيتو

"معجزة"، هكذا يصف البعض العلاقات الألمانية - الإسرائيلية بعد مرور 70 عاما على اغتصاب الكيان الصهيوني للأراضي الفلسطينية.. "معجزة" أن تكون أوثق علاقات إسرائيل خارجيًا مع ألمانيا التي شهدت محارق نازية لليهود.. غير أن العلاقة شهدت تفاهمات وخلافات.

كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مسرورا بالزيارة التي قام بها وزير الخارجية الألماني هايكو ماس في نهاية مارس إلى إسرائيل فور تسلمه منصب وزير الخارجية.

وقال نتنياهو بعد محادثة مع ماس: "لقد وصلتم إلى قلوبنا بالأشياء التي قلتموها حول الهولوكوست والعنصرية". وكان ماس قد سافر إلى إسرائيل بهدف تحسين العلاقات التي طرأ عليها بعض الفتور.

وقال ماس عند تسلمه منصب وزارة الخارجية إنه "لم يدخل مجال السياسة بسبب فيلي براندت وليس بسبب حركة السلام، بل بسبب أوسشفيتس". ويعني بذلك المعسكر النازي السيئ الصيت في بولندا.

وقال الناشر الألماني الإسرائيلي ميشاييل فولفزون في مقابلة مع DW، إن وزير الخارجية يبني على أساس علاقات جيدة تقليديا، وأضاف: "أنه وجد مجددا نبرة لطيفة تجاه إسرائيل". وقبلها، كما يقول فولفزون تم من جانب سلفه وزير الخارجية السابق زيجمار جابرييل "كسر الكثير من البورسلان".

وكان جابرييل قد التقى السنة الماضية مع منظمة مدافعة عن حقوق الإنسان منتقدة لإسرائيل، وأثار غضب نتنياهو.

غير أن الخلاف السياسي بات منذ مدة أمرا عاديا بين برلين وتل أبيب. وبالنسبة إلى ليديا أفيربوخ من مؤسسة العلوم والسياسة في برلين فالأسباب واضحة فهي ترى أن " العلاقات لم يطرأ عليها فتور، وإنما تعثرت". فهناك مواقف مختلفة بشأن سياسة الاستيطان وليس هناك للوهلة الأولى طريق لتجاوز هذه الفجوة. إلى ذلك تضاف التصورات المختلفة بشأن وضع القدس.

وأضافت أفيربوخ أن العلاقات الألمانية - الإسرائيلية الوثيقة بعد أجيال قليلة فقط بعد الهولوكوست هي "معجزة" وتبدو وكأنها "أسطورة"، كما يعتقد بعض الساسة.

ميشاييل فولفزون لا ينظر إلى ذلك ببهجة كبيرة، ويريد إلغاء "أسطورة": "بدون هولوكوست لا وجود لإسرائيل أو بدون هتلر لا وجود لإسرائيل". فهذه تصورات منافية للتاريخ، بل إن تأسيس دولة إسرائيل كان مبرمجا قبلها بمدة طويلة: كجزء من القضاء على الاستعمار، حسب قوله. وعندما تأسست دولة إسرائيل في الـ 14 من مايو 1948، كان اهتمام الرأي العام الألماني ضعيفا. فالنسيان والبناء والحرب الباردة المتنامية شغلت على ما يبدو الناس أكثر من تأسيس إسرائيل.


نظرة في الصحف الصادرة عام 1948 تكشف تباينات واضحة بين التغطية الإعلامية في شرق ألمانيا وغربها. فالكثير من الصحف في الغرب أصدرت تقارير حول تأسيس الدولة على الصفحات الأولى. وكتبت صحيفة "WAZ" "اليهود يعلنون دولة إسرائيل" وصحيفة "دي فيلت" كتبت:" "إعلان دولة يهودية". وكان تأسيس إسرائيل في مقدمة التغطية الإعلامية، وظل إعلان الحرب الموازي للجامعة العربية خبرا ثانويا.


إلا أن الصورة كانت مختلفة في الصحافة شرق ألمانيا. فصحيفة الليبراليين الشرقيين "Der Morgen" كتبت على الصفحة الأولى:" الجامعة العربية تعلن الحرب ضد إسرائيل". وفي خبر وكالة الأنباء الشرقية كانت الحرب ضد إسرائيل واضحة في المركز وليس تأسيس الدولة.


وكان المستشار الألماني الأسبق كونراد أديناور هو الذي قدم بداية 1950 على خلفية قضية تقديم تعويضات الحوافز الأولى. ففي سبتمبر 1951 اعترف أمام البرلمان الألماني بذنب ومسئولية الشعب الألماني تجاه جرائم النازية. والمحاكمة ضد أدولف أيشمان في إسرائيل بداية 1960 كانت فصلا إضافيا هاما. فلأول مرة تم مناقشة ذنب الألمان أمام رأي عالمي واسع.. وفي كلا البلدين.وبعدها جاء في 1965 الإعلان الرسمي للعلاقات الدبلوماسية. وفي يونيو 1973 زار المستشار فيلي براندت كأول رئيس حكومة ألمانية إسرائيل. وإلى يومنا هذا يتمتع براندت بتقدير كبير كممثل لسياسة السلم العملية وممهد الطريق للعلاقات الوثيقة. وبعدها بسنتين جاء رد الزيارة من رئيس الوزراء اسحاق رابين.

محطة فاصلة إضافية شكلها خطاب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أمام البرلمان الإسرائيلي - الكنيست - قبل عشرة أعوام بمناسبة الذكرى الستين لتأسيس الدولة. وجسدت حينها توجه السياسة الخارجية حين قالت:" هذه المسئولية التاريخية لألمانيا هي جزء من سياسة الدولة لبلادي. وهذا يعني أن أمن إسرائيل بالنسبة لي كمستشارة ألمانية غير قابل للتفاوض".

لكن فتورًا واضحًا طرأ على العلاقات.. ويبدو أن العلاقة بين المستشارة ميركل ونتنياهو ليست جيدة. لكن، كما تقول الباحثة ليديا أفيربوخ الارتباط بإسرائيل يبقى مكونا أساسيا: "ففي الاتفاقية الجديدة للتحالف الحكومي الألماني يتم التأكيد عدة مرات على حق وجود إسرائيل ويتم وصفه "كأساس للسياسة الألمانية".

ويقيم فولفزون واقع العلاقات الألمانية الإسرائيلية بالقول:" كلا الطرفين لهما اهتمام بعلاقات جيدة"، لاسيما ألمانيا يمكن لها هنا الاستفادة بصفة عملية: في تقنية الأمن مثلا أو محاربة الإرهاب. ورغم بعض "التجاذبات الصغيرة"، كما تقول الباحثة ليديا أفيربوخ، فإن العلاقات الألمانية الإسرائيلية هي ببساطة "أعجوبة".

فولكر فيتينغ/ م.أ.م

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل

الجريدة الرسمية