رئيس التحرير
عصام كامل

خبير: ألمانيا لاعب دولي موثوق به وهذا دورها بحل الأزمة السورية

فيتو

بدأت ألمانيا محاولات التخفيف من حدة التوتر، إثر الضربات التي وجهتها أمريكا وفرنسا وبريطانيا لمواقع بسوريا، وذلك من خلال الدعوة لمبادرة حل سلمي في سوريا. فهل تصلح ألمانيا كوسيط في هذا النزاع؟ سؤال يجيب عنه خبير ألماني.

بعد الضربات الجوية والصاروخية الأمريكية البريطانية الفرنسية على مواقع عسكرية في سوريا، تحاول كل من برلين وباريس التوصل إلى حل سياسي يخفف حدة التوتر مع روسيا ويلطّف الأجواء. وزير الخارجية هايكو ماس أعلن أن الحكومة الألمانية تسعى لإطلاق مبادرة سلام دبلوماسية حول سوريا. لكن ما مدى نجاح المساعي الدبلوماسية الألمانية؟ وما مدى فعالية ألمانيا في دور "وسيط" لحل الأزمات الدولية.

DW عربية حاورت دانييل غيرلاخ، رئيس تحرير مجلة "تسينيت" الألمانية المعنية بشئون الشرق الأوسط، حول هذا الموضوع، فكان هذا الحوار:

الهجمات الصاروخية والجوية التي نفذتها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في سوريا مؤخرًا أدت إلى جدل سياسي داخلي في ألمانيا وفي دول أخرى أيضًا. كيف يمكن لبرلين أن تكون وسيطًا سياسيًا في الحرب السورية والموضوع يثير جدلًا كبيرًا في مشهدها السياسي؟

دانييل غيرلاخ: أعتقد أن ألمانيا يمكن أن تلعب دورًا سياسيًا بالرغم من الجدل السياسي داخلها. مثل هذا الجدل موجود في كل الدول الغربية والأنظمة الديمقراطية. لكن لا أعتقد أن ألمانيا قادرة على لعب دور وساطة مباشر في سوريا، بل على الأرجح كوسيط في الحوار بين الولايات المتحدة وفرنسا والاتحاد الأوروبي من جهة، وروسيا من جهة أخرى. يمكن لألمانيا في هذا السياق لعب دور الوسيط بشكل يشبه الدور الذي لعبته في مرحلة إبرام الصفقة النووية مع إيران أو محادثات نورماندي الخاصة بالصراع في شرق أوكرانيا. لكنني أرى أن ألمانيا تريد بالفعل الوصول إلى حل سياسي في سوريا، ولكن عليها بذل المزيد من الجهد للوصول إلى ذلك.


ما مدى المصداقية التي تتمتع بها ألمانيا لدى روسيا، بالنظر إلى طردها لدبلوماسيين روس على خلفية تسميم العميل الروسي السابق سكريبال، والعقوبات الأوروبية التي لا تزال مفروضة على موسكو؟

غيرلاخ: ما أظهرته الحكومة الألمانية في العقود الماضية هو أنها ربما ليست الأسرع أو الأنشط على الساحة الدولية، ولكن يمكن الاعتماد عليها. الثقة ما تزال أحد أهم أهداف السياسة الخارجية الألمانية، وأعتقد أن علينا ألا نخلط الملفات المختلفة مع بعضها البعض. قضية سكريبال، على ما سببته، ما تزال قضية على الهامش بمقارنة بالترابط الكبير بين ألمانيا والاتحاد الأوروبي وروسيا على مختلف المستويات. ولهذا من الجيد عدم الخلط بين الأوراق.

قلت إن ألمانيا تحاول التأكيد على إمكانية الوثوق بها على الساحة الدولية. ما أهم دعائم هذه الثقة من وجهة نظرك؟

غيرلاخ: ألمانيا تحاول أن تقول ما تفعل وأن تفعل ما تقول. لهذا فإن الألمان متحفظون للغاية فيما يتعلق بالمبادرات والمغامرات السياسية، لدرجة دفعت الكثيرين للقول إن الألمان ليسوا فاعلين على الحلبة السياسية الدولية، ولكنّي أرى أن ذلك أحد مميزات السياسة الخارجية الألمانية، وهي عدم إعطاء وعود كاذبة أو لا يمكن الوفاء بها، سواء كان ذلك في سوريا أو في العراق أو فيما يتعلق بالأكراد أو في تركيا.

يجب أيضًا ألا ننسى أنه بالمقارنة مع دول أوروبية أخرى– مثل فرنسا وبريطانيا – فإن ألمانيا  لا تزال تحافظ على مسافة بعيدة نسبيًا عن أطراف إقليمية أخرى في الصراع في سوريا، مثل المملكة العربية السعودية. أنا مطلع على آليات العمل السياسي الألماني وأستطيع القول إن السياسة الألمانية بالفعل بطيئة، ولكنها مضمونة.

هل روسيا أساسًا معنية بمبادرة سياسية أو وساطة في سوريا، فهي تقريبًا انتصرت في الحرب ومكّنت النظام السوري من استعادة السيطرة على أجزاء واسعة من البلاد؟

غيرلاخ: هذه نقطة يجب التوقف عندها والتساؤل عما إذا كانت أي مبادرة سياسية ستؤتي أكلها. لكن يجب طرق كل الأبواب. حتى الآن كان الموقف الألماني كالتالي: الألمان يدعمون مفاوضات جنيف، أي التفاوض بين أطراف الحرب في سوريا برعاية الأمم المتحدة وبإشرافها، وهذا الموقف أكدته السياسة الألمانية مرارًا على مدى السنوات الماضية، وتعتبره طريقًا مشروعًا لإنهاء الحرب الأهلية هناك. لكن يجب الاعتراف بأن هذه العملية ليست ناجحة، خاصة وأن روسيا والنظام السوري ليسا مهتمين بحل سياسي. كلاهما يريد حلًا عسكريًا ومن ثم حلًا سياسيًا.

ألمانيا تمتلك المال وتريد المشاركة في عملية إعادة إعمار سوريا، والتي ستكلف مئات المليارات. ستكون هناك حاجة لهذه الأموال، والموقف الألماني هو أنها لن تشارك في عملية إعادة الإعمار طالما لم تكن هناك عملية سياسية موثوق بها، وهذا هو الطريق الوحيد الذي يمكن من خلاله لروسيا والنظام السوري أن يتوجها إلى ألمانيا. لكنني لا أتخيل أن يطلق نظام الأسد عملية سياسية فقط لأن الألمان سيحجبون أموال إعادة البناء.

من جهة أخرى، فإن على الروس التفكير في الخروج من سوريا، فهم لا يستطيعون التحكم بها عسكريًا إلى الأبد، وهم يعلمون أن الصراع لن ينتهي بتحقيق نصر عسكري، لأن ذلك سيعني اشتعال الصراع الداخلي، وبالتالي ستكون هناك حاجة لتأسيس مرحلة ما بعد الحرب، وهذا سيكون صعبًا للغاية. لذلك يريد الروس أيضًا إحداث تغيير في سوريا لأنهم ليسوا راضين عن الوضع السياسي هناك، إلا أن ذلك ليس على رأس سلم أولوياتهم.

دور الوساطة الألماني، برأيي، سيقتصر على خطوات إعادة بناء الثقة بين الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا من جهة وروسيا من جهة أخرى، ولكن لا أرى أنه سيمتد إلى سوريا.

وماذا عن دور إيران في سوريا؟

غيرلاخ: إيران لاعب مهم في سوريا، وأعتقد أن ألمانيا من بين الدول الأوروبية القليلة القادرة على بناء الثقة في إيران، لأن طهران لا تنظر إلى ألمانيا كحليف للسعودية، بعكس الولايات المتحدة أو بريطانيا أو فرنسا. الألمان يريدون أيضًا أن ينشطوا على الساحة الدولية، لأن العام القادم سيشهد انتخابات المقاعد الخمسة غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي، وألمانيا تسعى على المدى الطويل للحصول على عضوية دائمة في المجلس، وهذا يحدده الكثير من المبادرات السياسية الدولية. وإذا ما كانت ألمانيا راغبة في هذا المقعد، فإن عليها أن تظهر فعاليتها على الساحتين السياسية والدبلوماسية.

إجمالًا، إذًا، فإن ألمانيا يمكنها أن تكون بانية للثقة بين القوى الكبرى وأطراف الصراع في سوريا، وليس كوسيط سياسي أو صاحبة مبادرة حل سياسي هناك؟

غيرلاخ: إذا ما وضع الألمان تصورًا لمستقبل سوريا ما بعد الحرب، عندئذ سيكونون قادرين على الوساطة. لكن لا أحد مستعد لعمل ذلك. أنا أؤيد أن تقوم ألمانيا بطرح سيناريو مفصل للحل – ليس المطالبة بحل، بل طرح الحل خطوة بخطوة. دون خطة أو مقترح حقيقي، لا أعتقد أن من المنطقي تولي دور الوسيط.

ذكرت فرنسا عدة مرات الآن. ما تقييمك للديناميكية الفرنسية الألمانية في مجال السياسة الخارجية؟ هل تعتقد أنهما قادرتان على إحداث تغيير بشكل مشترك في سوريا؟

غيرلاخ: فيما يتعلق بسوريا، لم تكن هناك حتى الآن أي ديناميكية ألمانية فرنسية مشتركة. ما ينطبق على قضايا الاتحاد الأوروبي والاقتصاد العالمي لا ينطبق على سياسات الشرق الأوسط. هناك بالطبع تنسيق بين باريس وبرلين فيما يتعلق بملفات السياسة الخارجية، ولكن كل عاصمة لديها أدوات مختلفة لتنفيذ سياساتها الخارجية. فرنسا تنظر لنفسها كقوة عسكرية ورئيسها يمتلك صلاحيات إصدار أوامر بالتدخل عسكريًا خارج حدود فرنسا. فرنسا لا تتصرف كذلك لأنها عضو دائم في مجلس الأمن وحسب، بل لأنها ترى نفسها أيضًا كقوة دولية مستعدة للدفاع عسكريًا عن مصالحها. هذا لا يتوافق مع الموقف الألماني، فالحكومة الألمانية لا تمتلك أي صلاحيات تذكر لإقرار التدخلات العسكرية بالشكل الذي يمتلكه الرئيس الفرنسي. الجيش الألماني يخضع للبرلمان، وإقرار التدخلات العسكرية الخارجية يتطلب مداولات طويلة للغاية في البرلمان لدرجة تجعل من هذه التدخلات أداة غير ناجعة، ولذلك فإن ألمانيا وفرنسا تلعبان على مستويين مختلفين تمامًا.

الألمان يشككون في دور فرنسا، التي تتصرف أحيانًا بشكل استعراضي ويتوقعون من ألمانيا ألا تجاريها في التصرف وأن تلعب دورًا داعمًا فقط.

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل

اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


الجريدة الرسمية