تلمود المسلمين
كانت الكذبة الكبرى التي أدخلناها على أنفسنا هي أن الأولين لم يتركوا شيئًا للآخرين! اجتهد الأولون ووضعوا علم الفقه وأصوله، وليس لنا إلا أن نسير خلفهم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، اجتهدوا ونضدوا قرائحهم وصنعوا لنا علوم الحديث، وليس لنا إلا أن نحفظ ما قدموه لنا ولا نخرج منه قيد أنملة، فإذا عنَّ لك أن تضيف أو تحذف أو تُصوِّب أو تنتقد من علوم الحديث ما تشاء فأنت مبتدع وسيكون مثواك وبدعتك النار وبئس المصير، وقد تكون ببدعتك هذه منكرًا ما جعلوه معلومًا من الدين بالضرورة!
ليس لك أن تقول صراحة للناس في مجامعهم إن الأحاديث التي جاءت في كتب الصحاح وردت بالمعنى وليس باللفظ، وإنه لذلك يجب أن نضع تعريفًا جديدًا للأحاديث فنقول إن معناها من عند الله ولفظها من عند رواة الحديث، وليس من عند الرسول صلى الله عليه وسلم، كما أننا لا نستطيع أن نقول إن كثيرًا من الدين الذي وصل إلينا هو من اجتهادات الصحابة، كانت مجرد آراء ثم تحولت إلى دين لا يجوز الخروج عنها.
فحين استدل سيدنا "علي" رضي الله عنه بالجلد على شارب الخمر بحث في القرآن فلم يجد، فبحث في الحديث فلم يجد، ففكر أن شارب الخمر إذا وصل إلى حد السُكرِ هذى بالكلام وافترى، لذلك قرر أن يطبق على السكران حد قذف المحصنات، ما فعله سيدنا "على" كان اجتهادا، يرد عليه الخطأ كما يرد عليه الصواب، فرب من قائل إن مظنة أن يقوم السكران بالقذف هي مجرد مظنة، قد تحدث وقد لا تحدث، لذلك لا ينبغي أن يقام الحد على مظنة، ولكن من جاء بعد سيدنا "على" أخذها دينا وأصبحت تجري بين الفقهاء في كتبهم وكأنها من الوحي الذي أنزله الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
نحن الآن في القرن الحادي والعشرين، وهب الله لنا عقولا وقلوبًا، وطلب منا أن نفكر، ونجتهد، ولا نكون كمن قالوا "بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا"، ويا ويحنا إن جعلنا من علوم القدماء وفقههم تلمودًا للمسلمين.