السيسي في «قمة القدس».. دول إقليمية تحاول بناء نفوذ في المنطقة.. قضية فلسطين توشك على الضياع.. سوريا أرض عربية ومصيرها يقرره شعبها.. ويطالب بإستراتيجية شاملة للأمن القومي العربي
انطلقت اليوم الأحد، بمركز الملك عبد العزيز الثقافى العالمى "إثراء" بالظهران، أعمال القمة العربية العادية التاسعة والعشرين، بمشاركة عدد كبير من القادة والرؤساء والملوك والأمراء العرب، لبحث سبل تعزيز مسيرة العمل العربى المشترك والتصدى للتحديات والتهديدات التي تتعرض لها المنطقة العربية.
وترأس وفد مصر في أعمال القمة الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وشارك في الجلسة الافتتاحية للقمة العربية الـ29 كل من أنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، وفيدريكا موجرينى الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي، وموسى فكى رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقى، ويوسف بن أحمد العثيمين الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامى، والدكتور مشعل بن فهم السلمى رئيس البرلمان العربي.
وألقى الملك عبد الله الثاني بن الحسين، ملك المملكة الأردنية الهاشمية، رئيس القمة العربية السابقة، كلمة أعرب فيها عن شكره لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود على حسن الاستقبال وكرم الضيافة.
وسلم ملك الأردن عبد الله الثاني رئيس الدورة السابقة، رئاسة الدورة الحالية لخادم الحرميين الشريفيين الملك سلمان بن عبد العزيز.
وبدأت بعد ذلك جلسة العمل الأولى، وهى جلسة علنية؛ حيث واصل فيها القادة العرب كلماتهم حسب أولوية الطلب ثم تحولت بعدها الجلسة إلى جلسة مغلقة يتم خلالها اعتماد مشروع جدول الأعمال ومناقشته واعتماد مشاريع القرارات واعتماد مشروع "إعلان الظهران".
قمة القدس
وأعلن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، تسمية القمة العربية التاسعة والعشرين بـ (قمة القدس) ليعلم القاصي والداني أن فلسطين وشعبها في وجدان العرب والمسلمين.
كما أعلن تبرع المملكة العربية السعودية بمبلغ 150 مليون دولار لبرنامج دعم الأوقاف الإسلامية في القدس، و50 مليون دولار لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا).
وألقى الرئيس عبد الفتاح السيسي، كلمة خلال القمة العربية المنعقدة بالمملكة العربية السعودية.
وقال السيسي، إن القمة العربية تنعقد اليوم في ظل تحديات جسيمة تواجه المنطقة بأسرها، وتستهدف وحدة وتماسك الدول العربية وسلامة أراضيها وتهدد مقدرات شعوبها ومصالحها العليا.
وأضاف السيسي: "هناك دول إقليمية تهدد حقوق الجوار وتعمل على إنشاء مناطق نفوذ داخل الدول الحدودية".
وإلى نص الكلمة:
أود بدايةً أن أعرب عن سعادتي لوجودي معكم اليوم، وأن أعبر عن خالص الشكر والتقدير، لأخي جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين، عاهل المملكة الأردنية الهاشمية الشقيقة، لما بذله من جهد دؤوب، خلال ترؤسه لأعمال الدورة الماضية للقمة العربية.
خادم الحرمين الشريفين
وإنني على ثقة في أن حكمة خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، سوف تمنح زخمًا كبيرًا لآليات العمل العربي المشترك.
وأؤكد أن مصر لن تألو جهدًا في سبيل دعم رئاسة القمة والدول الشقيقة، وكذا جهود الأمين العام لجامعة الدول العربية، بهدف تحقيق المصالح العربية.
ويأتي اجتماعنا اليوم، والأمن القومي العربي يواجه تحديات غير مسبوقة.. فهناك دول عربية تواجه لأول مرة منذ تاريخ تأسيسها، تهديدًا وجوديًا حقيقيًا، ومحاولات ممنهجة لإسقاط مؤسسة الدولة الوطنية، لصالح كيانات طائفية وتنظيمات إرهابية، يمثل مشروعها السياسي ارتدادًا حضاريًا كاملًا، عن كل ما أنجزته الدول العربية منذ مرحلة التحرر الوطني، وعداءً شاملًا، لكل القيم الإنسانية المشتركة، التي بشرت بها جميع الأديان والرسالات السماوية.
وهناك دول إقليمية، تهدر حقوق الجوار، وتعمل بدأب على إنشاء مناطق نفوذ داخل الدول العربية، وعلى حساب مؤسسات الدولة الوطنية بها.. إننا نجتمع اليوم، وجيش إحدى الدول الإقليمية موجود على أرض دولتين عربيتين، في حالة احتلال صريح لأراضي دولتين عربيتين شقيقتين.. وهناك اجتماعات تجري لتقرير مصير التسوية، وإنهاء الحرب الأهلية الشرسة، التي أزهقت أرواح ما يزيد على نصف مليون سوري، دون مشاركة لأي طرف عربي، وكأن مصير الشعب السوري ومستقبله، بات رهنًا بلعبة الأمم، وتوازنات القوى الإقليمية والدولية.
طرف إقليمي يستغل عدم الاستقرار العربي
وفي الوقت نفسه، هناك طرف إقليمي آخر، زينت له حالة عدم الاستقرار التي عاشتها المنطقة في السنوات الأخيرة، أن يبني مناطق نفوذ باستغلال قوى محلية تابعة له، داخل أكثر من دولة عربية.. وللأسف الشديد، فإن الصراحة تقتضي القول، إن هناك مِنَ الأشقاء مَن تورط في التآمر مع هذه الأطراف الإقليمية، وفي دعم وتمويل التنظيمات الطائفية والإرهابية.
وهناك أيضًا الجرح الفلسطيني النازف، وشهداء فلسطين الذين يسقطون كل يوم... قضية العرب المركزية التي توشك على الضياع، بين قرارات دولية غير مفعلة، وصراع الأشقاء أصحاب القضية، الذي يستنزف قواهم ومواردهم الضئيلة، ويفتح الباب أمام مَن يريد تكريس واقع الاحتلال والانقسام كأمر واقع، ويسعى لإنهاء حلم الشعب الفلسطيني الشقيق في الحرية والدولة المستقلة.
ولهذا، فإنني لا أبالغ، إن قلت إنّ بلادنا ومنطقتنا تواجه أخطر أزمة، منذ استقلالها وانتهاء حقبة التحرر الوطني... وعلينا جميعًا تقع مسئولية كبرى في وقف هذا التردي في الأوضاع العربية، واستعادة الحد الأدنى من التنسيق المطلوب لإنقاذ الوضع العربي، والوقوف بحزم أمام واحدة من أخطر الهجمات التي عرفتها الدولة الوطنية في المنطقة منذ تأسيسها.
إستراتيجية شاملة
وإننا بحاجة اليوم إلى إستراتيجية شاملة للأمن القومي العربي، لمواجهة التهديدات الوجودية التي تواجهها الدولة الوطنية في المنطقة العربية، وإعادة تأسيس العلاقة مع دول الجوار العربي على قواعد واضحة، جوهرها احترام استقلال وسيادة وعروبة الدول العربية، والامتناع تمامًا عن أي تدخل في الشأن الداخلي للدول العربية.. لقد سبق وطرحت مصر عددًا من المبادرات لبناء إستراتيجية فعالة وشاملة للأمن القومي العربي، وتوفير مقومات الدفاع الفعال ضد أي اعتداء أو محاولة للتدخل في الدول العربية.. وإنني على ثقة من أنه بالإمكان التوصل لهذه الإستراتيجية الشاملة، إذا توافرت الإرادة السياسية الجماعية، وصَدَقَ العزم على التعاون لاستعادة زمام المبادرة، بشكل يُفضي إلى وقف الانتهاك المتكرر لسيادة واستقلال بلادٍ عزيزة من دول أمتنا العربية.
فلسطين قضية العرب
لا بد من أن نبدأ بفلسطين.. إن ما قدمه ويقدمه الشعب الفلسطيني من تضحيات على مدار عقود، تضع الضمير الإنساني كله على المحك.. إن قضية نضال الشعب الفلسطيني ليست قضية العرب وحدهم، ولكنها قضية الحق في مواجهة القوة.
ولقد كان مشروع القرار الذي شاركت مصر في إعداده، وأقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر الماضي بأغلبية 128 دولة، دليلًا جديدًا على أن الحق العربي في القدس، هو حق ثابت وأصيل، غير قابل للتحريف أو المصادرة.. وما زال العرب متمسكين بخيار السلام خيارًا استراتيجيًا وحيدًا، وما زالت المبادرة العربية للسلام هي الإطار الأنسب لإنهاء الاحتلال، وتجاوز عقود من الصراع الذي أتى على الأخضر واليابس، لتبدأ مرحلة من البناء آن لشعوبنا أن تجني ثمارها.
المجتمع الدولي
إن على المجتمع الدولي كله مسئولية واضحة لا لبس فيها للوقوف أمام سياسات تكريس الاحتلال، وخلق حقائق جديدة على الأرض، ومحاولة مصادرة الحقوق الفلسطينية في الأراضي المحتلة، وفي القلب منها القدس الشرقية، بل وحتى حرمان الشعب الفلسطيني من أبسط الحقوق والخدمات، عبر الأزمة التي تواجهها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأُنُرْوَا)، نتيجة عدم توفير الأموال الزهيدة التي تحتاجها، لتوفير الحد الأدنى من مقومات البقاء، لخمسة ملايين لاجئ فلسطيني.. وهو أمر يمس بشدة وإجحاف بقطاع واسع من أبناء الشعب الفلسطيني.
إنّ المسئولية تقتضي منا أيضًا أن نقوم بنقد الذات، فما كان للحق الفلسطيني أن يتعرض لأشرس هجمة لمصادرته وإسقاطه، لو لم تكن حالة الانقسام الفلسطيني التي تدخل عقدها الثاني.. وبكل صراحة أقول، لا يجب السماح بأن يكون استمرار الانقسام الفلسطيني، ذريعة لإبقاء واقع الاحتلال.. إن مصر تعمل بكل دأب مع الأشقاء الفلسطينيين، لطي هذه الصفحة الحزينة من تاريخهم، وقد آن الأوان لرأب هذا الصدع غير المبرر، وتجاوز اعتبارات المنافسة الحزبية لصالح إعلاء كلمة الوطن، واستعادة وحدة الصف الفلسطيني، التي هي شرط ضروري لخوض معركة التفاوض والسلام واسترداد الحق.
أزمة العراق واليمن
وأينما نولي أنظارنا في المنطقة، من العراق إلى اليمن، ومن سوريا إلى ليبيا، نجد نفس الخطر الذي يداهم جميع دولنا العربية، خطر التنظيمات الإرهابية والكيانات الطائفية، التي تبتذل الإيمان الديني والتنوع الثقافي في منطقتنا، لتصادر الآفاق الرحبة للتعاون والتسامح والإثراء الثقافي، لصالح خيالها المريض، الذي يعادي الحضارة الإنسانية، ولا يتصور العلاقة بين البشر إلا في صورة صراع دموي ومباراة صفرية.
الجهود الجبارة
وإنني أثق أنكم تتابعون جميعًا، الجهود الجبارة التي تقوم بها القوات المسلحة والشرطة المصرية، في معركة الحياة والشرف، معركة سيناء 2018، التي تتواصل نجاحاتها يومًا بعد يوم، لدحر قوى الشر والإرهاب التي لا تهدد مصر وشعبها فحسب، بل تهدد المنطقة والحضارة الإنسانية بأسرها.
إن معركتنا هي جزء أساسي من حرب شاملة، يجب أن نتضافر جميعًا لخوضها ضد التنظيمات الإرهابية أينما وجدت.. هذه الحرب الشاملة يجب أن تشمل كل حلقات العمل الإرهابي، تنظيمًا، وتسليحًا، ودعمًا سياسيًا، وغطاءً أيديولوجيًا وإعلاميًا.. فمن يحمل السلاح هو فقط الحلقة الأخيرة، من سلسلة إجرامية تشمل من يموله ويسلحه، أو يوفر له ملاذًا آمنًا، أو منبرًا إعلاميًا وتبريرًا فكريًا، أو من يستخدمه كمخلب قط، لإنشاء مناطق نفوذ والتدخل في الشئون الداخلية لدولنا العربية.. ولا مجال لأن نستثني أي حلقة من حلقات هذه السلسلة الإجرامية، فكلهم بدون استثناء شركاء في الإرهاب، وكلهم مسئولون عن الجرائم البشعة التي ترتكبها هذه التنظيمات الإرهابية.
وإنني إذ أعبر عن ارتياحي للقرار المطروح من قمتنا العربية، لتطوير المنظومة العربية الشاملة لمكافحة الإرهاب، فإنني لازلت آمل أن يعود البعض، ممن يصرون على الوقوف في الجانب الخاطئ من التاريخ، إلى جادة الصواب، والتوقف نهائيًا عن رعاية الإرهاب ودعمه، بشكل يتناقض كليًا مع تعاليم الإسلام، وأواصر الأخوة والعروبة، بل وقيم الإنسانية والحضارة.
التصعيد العسكري
إن مصر تعرب عن قلقها البالغ نتيجة التصعيد العسكري الراهن على الساحة السورية، لما ينطوي عليه من آثار على سلامة الشعب السوري الشقيق، ويُهدد ما تم التوصل إليه من تفاهمات حول تحديد مناطق خفض التوتر. وتؤكد مصر في هذا الإطار رفضها القاطع لاستخدام أية أسلحة محرمة دوليًا على الأراضي السورية، مطالبةً بإجراء تحقيق دولي شفاف في هذا الشأن وفقًا للآليات والمرجعيات الدولية.
لقد آن الأوان أن نتحرك بشكل جدي، لوضع حد لنزيف الدم السوري، الذي أزهق أرواح أكثر من نصف مليون مواطن سوري، وأدى لتحويل الملايين إلى نازحين ولاجئين، داخل بلادهم وفي الدول العربية والمجاورة.
ولا يكفي هنا أن نقتصر فقط على تكرار التزامنا بمرجعيات الحل السياسي، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، إنما يجب أيضًا أن نوجه رسالة واضحة ولا لبس فيها، أن سوريا أرض عربية، ولا يجوز أن يتقرر مصيرها وتُعالج مُشكلاتها إلا وفقًا لإرادة الشعب السوري.
الدول العربية
لقد كان لجهود الدول العربية، وتحديدًا للتعاون المصري السعودي، الدور الأهم في توحيد كافة تنظيمات المعارضة السورية، وإننا نتوقع من الأمم المتحدة أن تتحرك بشكل سريع، وبالتنسيق مع الدول العربية، لبدء مسار لجنة وضع الدستور السوري، كمقدمة لاستئناف جولات المفاوضات.. ولن يكون مقبولًا أن يتم تشكيل هذه اللجنة، أو استئناف المفاوضات بناء على حسابات وتوازنات بين أطراف غير عربية، إنما يجب أن يكون السوريون أنفسهم والعرب شركاء أساسيين في جهود السلام في سوريا، بوصفهم أصحاب المصلحة الحقيقية، في الحفاظ على وحدة سوريا وسلامتها الإقليمية.
والأمر نفسه يُمكن أن يقال عن ليبيا واليمن الشقيقتين.. إن الحفاظ على وحدة وسلامة وعروبة هذه الدول، وقطع الطريق على أية محاولة من التنظيمات الإرهابية، ورعاتها الإقليميين والدوليين، لتمزيق أوصال هذه الأوطان العربية، هي مسئولية تقع علينا جميعًا.. ولن نسمح بأن تظل هذه الدول الشقيقة، مسارح لصراعات دولية وإقليمية، تمزق شعوبها وتدمر مقدراتهم.
دعم مصر لليبيا
إن مصر مستمرة في دعم كل جهد، للحفاظ على وحدة ليبيا واستعادة مؤسسات الدولة فيها، ولعلكم جميعًا تتابعون الجهود المصرية المستمرة لتوحيد المؤسسة العسكرية في ليبيا، وخلق ضمانة أمنية تتأسس عليها عملية استعادة الدولة الوطنية في ليبيا والقضاء على الإرهاب.
كما أن مصر ملتزمة، بالعمل على استعادة الاستقرار، وتحقيق الحل السياسي العادل في اليمن، الذي لا يُمكن أن يتأسس إلا على مبادئ احترام وحدة الدولة اليمنية وسيادتها، ورفض منطق الغَلَبَة، ومحاولة فريق سياسي فرض طموحاته التوسعية على عموم اليمنيين بالقوة، والاستقواء بقوى إقليمية وأجنبية.. فلا مستقبل في اليمن إلا بالحل السياسي، ولن يكون الحل السياسي إلا يمنيًا خالصًا، لا مكان فيه لأطماع إقليمية أو لمنطق الاستقواء والغَلَبَة بين أبناء الشعب الواحد. إن مصر لن تقبل قيام عناصر يمنية بقصف الأراضي السعودية بالصواريخ الباليستية باعتباره تهديدًا للأمن القومي العربي.
التحديات
إن التحدياتَ جسامٌ، لكني واثق من أن العزم الصادق، والجهد المُنَسَّق بين الدول العربية، كفيلٌ بمواجهتها.. إن مصر تُجدد عهدها معكم، بأن تكون في القلب من كل جهد، يهدف لإعادة الحياة إلى عملنا العربي المشترك، ومواجهة الأطماع الإقليمية الخارجية في منطقتنا، فالأمن القومي العربي كلٌ لا يتجزأ. وإن شعوبنا العربية تنتظر من هذه القمة الكثير، فلنكن أهلًا لتطلعاتها وآمالها.