رئيس التحرير
عصام كامل

اشتدى يا أزمة تنفرجى


يبدو أن انفراج الأزمة الشديدة التى أوقعنا فيها الإخوان ورئيسهم ستنفرج قريبًا، لقد استعرتُ هذا العنوان من قول مأثور كان يردده أبى رحمة الله عليه، كلما واجهتنا أزمة كان يراها شديدة، وما ذكّرنى بمقولته هذه ذكراه التى نحتفى بها هذا الأسبوع، والتى كانت تشاركنا فيها وزارة الثقافة، باعتباره واحدًا من أعمدة الترجمة فى مصر القرن العشرين، لا يختلف اثنان على بذله السخى والإخلاص فيه، وهو واحد من المثقفين المصريين الذين أسهموا فى الحركة الوطنية والثقافية فى تلك الحقبة، إنه محمد بدران؛ الذى أطلق عليه شفيق غربال «عمدة المترجمين». 


شارك محمد بدران فى تأسيس لجنة التأليف والترجمة والنشر مع كوكبة من الشباب المثقف سنة ١٩١٤، منهم الدكتور طه حسين وأحمد حسن الزيات وأحمد أمين ومحمد فريد أبو حديد ومحمد عوض محمد، وآخرون من أعلام الثقافة العربية الذين لم يكونوا أدباء فحسب، ولكنهم كانوا بناة نهضة يؤمنون بالتجديد والتحديث، ويبحثون عن حلول جذرية لمشكلات الفرد والمجتمع والثقافة، سواء بالكتابة والترجمة، أو بالعمل العام.

أوقف محمد بدران حياته على الترجمة، فنقل روائع الثقافة الإنجليزية إلى اللغة العربية، ووضع منهجًا فريدًا فى الترجمة قام بتدريسه لطلابه فى معهد الصحافة ومعهد الدراسات العليا بالجامعة العربية، وإدارة الثقافة فى وزارة التربية والتعليم.


كان محمد بدران وراء ترجمة ثمانية عشر جزءًا من «قصة الحضارة» للكاتب والمؤرخ الأمريكى «ول ديورانت»، وليست المسألة كما تقول الدكتورة نعمات أحمد فؤاد فى أهمية هذا العمل العلمى الضخم، وإنما القدرة على الفهم، بل النفاذ إلى الأعماق، والمقدرة اللغوية المزدوجة للغة التى يترجم منها، واللغة التى يترجم إليها، ثم التعليق المستقل والقادر، والتمحيص الدقيق والوثيق، إنها كما يسميها أستاذنا العقاد «عبقرية الترجمة» فى مقاله عن محمد بدران.


تصدى بدران لموسوعات أخرى، منها "تاريخ العالم" فى ستة أجزاء، وضعها المؤلف البريطانى «جون هامرتون»، وهى تتناول قصة الثقافة على مدى الدهر، أو هى قصة أخرى للحضارة، ولعل هذا العمل الكبير ومعه قصة الحضارة هما أضخم أعماله فى الترجمة، وقام بدران بترجمة ٦٤ عملًا من الأعمال المهمة والجادة والمفيدة، منها تاريخ المسألة المصرية، النتائج السياسية للحرب العظمى، الديمقراطية، العدالة والحرية، ونهرو، وغيرها، وهذه كلها وغيرها لعبت دورها فى تشكيل وجدان الأجيال التالية، فقد كانت الترجمة عنده تسير بمنهج الاستنارة الوطنية، وهذا ما قاله الأستاذ لمعى المطيعى عن محمد بدران.


قام محمد بدران بمراجعة ٣٥ كتابًا مترجمًا، منها: فتح العرب لمصر، معالم فى تاريخ الإنسانية، الحرية والتربية، وآثرت الحرية، وغيرها.

قال عنه كامل الشناوى: قرأت له جميع الكتب التى تحمل اسمه، وإنى أعده أحد أساتذتى فى جامعتى الخاصة التى درست فيها تاريخ الإنسانية والآداب العالمية، وكثيرًا من العلوم والفنون.

قال عنه العقاد: إننى أفضل أن أقرأ ترجمة لمحمد بدران على أن أقرأ الأصل الذى نقلت عنه هذه الترجمة.

قال عنه الدكتور جابر عصفور: إنه أحد الأسماء القليلة التى نهضت على يديها الترجمة، ويندر أن نجد مترجمًا مثله، فقد كان حريصًا على إشاعة الوعى بأهمية الترجمة، ونقل قواعدها ومبادئها إلى أكبر عدد ممكن، وإذا كان المرحوم محمد بدران قد تلقى القليل من التكريم فى حياته؛ لعزوفه عن الشهرة، فلا أقل من أن ندعو له اليوم بالرحمة والرضوان.


نقلا عن جريدة فيتو الأسبوعية..
الجريدة الرسمية