رئيس التحرير
عصام كامل

سيرك الأحزاب السياسية الإسلامية!


المشهد السياسى فى مصر الآن بعد الثورة بالغ الغرابة!

أنا لا أتحدث عن عشرات الأحزاب السياسية الجديدة التى استمدت روحها من روح الثورة، وأرادت – بصورة أو بأخرى- أن تعبر عن شريحة أو أكثر من شرائح الجماهير وفق رؤية سياسية محددة. ولكننى أتحدث عن "الانفجار" الذى حدث فى ميدان الأحزاب السياسية الإسلامية، فقد تعددت التسميات وتباينت التوجهات وتناقضت المرجعيات الدينية الفقهية، وكل منها يصمم ويقسم بالله العظيم أنه هو وحده المعبر عن الإسلام، مع أن الدين الإسلامى العظيم بمقاصده السامية بعيد تماماً عن بعض أفكارهم المتطرفة.


وليس هذا غريباً على كل حال، فقد أدت الثورة إلى أن عديدًا من الجماعات الدينية الإسلامية الإرهابية كجماعة "الجهاد" و"الجماعة الإسلامية" التى راجعت مواقفها ومارست بشكل محمود حقاً النقد الذاتى، عادت اليوم بعد الثورة وقررت الاشتغال بالسياسة.

لا بأس! فنحن فى سياق الانتقال من نظام سلطوى إلى نظام ديموقراطى من حق أى فريق- سواء تبنى بعض التوجهات الإسلامية أولاً- أن يشكل حزباً سياسياً حتى ولو لم تكن له سابقة خبرة فى العمل السياسى.

ولعل أبلغ مثال على ذلك حزب "النور" السلفى الذين يعبر عن الاتجاه السلفى والذى أدهش المراقبين لأنه فى أول جولة سياسية له ونعنى فى الانتخابات البرلمانية نجح فى أن يحصل على الأكثرية مشاركًا فى ذلك حزب "الحرية والعدالة" الإخوانى.

وقد لفت النظر أن خطاب حزب "النور" أكثر اعتدالاً من خطاب جماعة الإخوان المسلمين، كما أنهم يتصرفون برشادة على عكس القرارات العشوائية المستفزة التى تصدرها الجماعة وتحولها إلى قرارات وقوانين أحياناً بحكم امتلاكها للسلطة التشريعية بلا معارضة، ولولا المقاومة الباسلة لعديد من الطوائف وأولها أعضاء الهيئات القضائية لأصدر مجلس الشورى الإخوانى تشريعات باطلة لهدم استقلال القضاء بحجة تطهيره، وهى كلمة بذيئة حقاً لا يجوز أن توجه للقضاء المصرى الشامخ الذى وقف فى كل العهود ضد استبداد السلطة السياسية.

غير أن تكاثر الأحزاب السياسية الدينية والصوت العالى لما تسمى "السلفية الجهادية" وتهديدها بأن تلجأ مرة أخرى إلى استخدام السلاح ولو ضد القوات المسلحة، قد حول "سيرك" الأحزاب السياسية الإسلامية إلى بؤرة خطر جسيم على الدولة والمجتمع.

ويلفت النظر أن مؤسسة الرئاسة والتى هى إخوانية فى الواقع وليست معبرة عن كل المصريين لم تتخذ أى إجراء رادع ضد التهديد باستخدام العنف ضد الدولة، مع أن هذا الإجراء كان كفيلاً بوقف تصاعد العنف فى المجتمع.

غير أن أبرز ظاهرة فى "سيرك" الأحزاب السياسية الإسلامية هى قيام "حزب الوسط الإسلامى" بدور "الكومبارس" لجماعة الإخوان المسلمين التى تلعب دور البطولة الزائفة على المسرح السياسى هذه الأيام.

وحزب "الوسط" أنشئ منذ سنوات قبل الثورة بحكم قضائى بعد كفاح طويل لإثبات شرعية إنشائه، واشتهر بأن له مرجعية إسلامية، بالرغم من أنه فشل فى شرح ماذا يعنى ذلك على وجه التحديد!

وقد أحزننى أن بعض قادة هذا الحزب الذين أعرفهم وأحترم نضالهم قبلوا أن يلعبوا دور "الكومبارس" لجماعة الإخوان المسلمين، وتقدموا بمشروع قانون لمجلس الشورى يهدف إلى هدم استقلال القضاء، وأخونة المؤسسات القضائية كلها.

وفى تصريح لرئيس الحزب مؤخرًا ذكر فيه أنه سيوجه هجومًا إضافيًا إلى النيابة العامة!

وأخطر من ذلك كله استخدام جماعة الإخوان المسلمين لزعيم حزب الوسط أداة طيعة لترويج ادعاءات كاذبة عن المخابرات العامة التى كونت – كما زعم أنه سمعه شخصيًا من رئيس الجمهورية- جيشاً من البلطجية يفوق أعضاؤه 300.000 بلطجى، وأنه تم تسليم هذا الجيش "العرمرم" إلى الداخلية حتى يعيثون فسادا فى المجتمع!

والسؤال: لماذا قبل قادة حزب الوسط الإسلامى لعب دور الكومبارس فى المسرحية الفاشلة التى يقوم بأدائها ممثلو الإخوان المسلمين؟

هل السعى إلى السلطة والحلم بنعيمها يمكن أن يضيع كرامة الأحزاب السياسية.. ويلوث سمعتها ويجعلها فرجة فى العالمين؟!

eyassin@ahram.org.eg

الجريدة الرسمية