رئيس التحرير
عصام كامل

«محمد نجيب» رجل الضرورة.. اختاره «الضباط الأحرار» قائدًا للحركة نظرًا لرتبته الكبيرة وسمعته الطيبة.. قصر الحكم شهد حزمة من المؤامرات والخلافات السياسية أطاحت في النهاية به

محمد نجيب
محمد نجيب

كان أول رئيس لمصر بعد ثورة يوليو 1952، تولى في توقيت استثنائي، فكانت البلاد خارجة للتو من حكم الملكية، بعد نجاح حركة الضباط الأحرار، وكان الإقطاعيون لا يزالون يسيطرون، ويفرضون نفوذهم، بحكم ما في قبضتهم من أملاك، تمكنهم من التحكم في المزارعين العاملين في أرضهم.


قرر تنظيم الضباط الأحرار منذ البداية الاستعانة بشخصية كبيرة، تتمتع بسمعة طيبة لتعطيهم ثقلا داخل الجيش، وتوحي بأنهم يمتلكون الخبرة والجدية، انطلاقًا من تقديرهم أن الشعب لن يقبل بتلك الثورة، عندما يعلم أن قادتها ليسوا من ذوي الخبرات، وأنهم مجرّد ضباط صغار، وبعد أن طُرحت عدة أسماء استقر الأمر على تولية اللواء محمد نجيب قيادة التنظيم.

دور مهم
مشاركة نجيب في تنظيم الضباط الأحرار لعبت دورًا مهمًا في انتشار التنظيم بين العسكريين، وجذب الضباط إليه، حسبما أشار محمد ثروت في كتابه “الأوراق السرية لمحمد نجيب”، وكان منصب نجيب الرفيع في الجيش عاملا حاسمًا في نجاح ثورة الضباط الأحرار، فهو الذي سرّب إليهم خبر اكتشاف التنظيم، وحثّهم على الإسراع بتنفيذ الخطة، قبل فوات الأوان.

منح نجيب الحركة مكانة بسبب رتبته العسكرية، فحجز لنفسه صدارة فريق الثورة، فعُيّن رئيسًا للوزراء عقب 50 يومًا من نجاحها، وكان عبد الناصر وزيرًا للداخلية في تشكيلته الحكومية، ثم صار نجيب رئيسًا للجمهورية في 18 يونيو 1953، بعد قرار إلغاء الملكية وقيام الجمهورية، وكان الاتفاق بين أعضاء مجلس قيادة الثورة على أن تكون القرارات بالتوافق بينهم، على أن تصدر بالأغلبية، لكن موقع نجيب الرسمي جعله المسئول عن تلك القرارات التي تحمل اسمه، وهو ما جعله يطلب ممارسة سلطاته كاملة، ومن هنا بدأ الخلاف مع مجلس قيادة الثورة.

يقول محمد نجيب في كتابه “كنت رئيسًا لمصر”: إن نفوذه بدأ في التزايد في مصر والسودان في ذلك الوقت، ما أدخل الشك بينه وبين أعضاء مجلس قيادة الثورة، ولاحظ أنهم بدأوا يعقدون اجتماعاتهم دون دعوته، وإذا حضر عن طريق الصدفة توقفوا عن الحديث وغيّروا الموضوع، حتى وصل الأمر إلى عقدهم اجتماعات خارج مقر المجلس.

صراعات سياسية
فترة حكم نجيب شهدت صراعات سياسية جمة، فالرغبة في السيطرة على القرار، والاستئثار بالسلطات، أحدثت فرقة بين مجلس قيادة الثورة، والرئيس الجديد، وبدأت الخلافات باعتراض نجيب على تدخل مجلس قيادة الثورة في شتى أمور الحكم، واستقالة الوزراء المدنيين آنذاك، بل امتدت اعتراضات نجيب على عدد من القرارات التي صدرت رغمًا عن إرادته، وأبرزها ترقية عبد الحكيم عامر من رتبة صاغ (رائد) إلى لواء وتعيينه قائدًا للجيش، بما يتعارض مع أعراف المؤسسة العسكرية.

كانت الأحداث تسير سريعة في قصر الحكم، الجو العام كان مرتبكًا، لم يخلُ كذلك من المؤامرات التي كانت رأس حربة العملية السياسية في ذلك الوقت، أيضا الخلافات أثرت على اتخاذ القرار بين أبناء المؤسسة العسكرية، في الوقت الذي كان الشارع ينتظر ما ستسفر عنه الأحداث المتشابكة.

حروب مع الضباط
نجيب دخل أيضا حربًا ضروسًا مع مجلس قيادة الثورة، واعترض بشدة على عدم حل جماعة الإخوان ضمن قرار حل الأحزاب السياسية، وعارض إصدار قانون توزيع الملكية الزراعية؛ لأنه رأى أن ذلك سيعلّم الفلاحين الكسل، وسيؤثر على الإنتاج الزراعي، ويؤدى إلى صراعات بين الطبقات، وراح نجيب يفكّر في إعادة الجيش إلى الثكنات، وتحويل الحكم إلى حكم مدني.

ورغم أن المدة التي قضاها نجيب رئيسا لمصر قصيرة للغاية، حيث لم تتخطَ العامين، إلا أن الخلافات السياسية مع مجلس قيادة الثورة كانت متصدرة المشهد، حيث اتهم نجيب بعض قيادات المجلس بالفساد، واستغلال النفوذ وإهدار أموال الدولة، وهو ما تسبب في اشتعال الخلافات؛ مما دفعه إلى الإصرار في فبراير 1954 على الاستقالة من جميع المناصب التي يتولاها، وهي رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس قيادة الثورة ورئاسة الوزراء.

الاستقالة
وافق مجلس قيادة الثورة على استقالة نجيب مباشرة، لكن تبع ذلك تظاهرات شعبية طالبت بعودته، وقد كان، ومع عودته إلى الحكم بضغط شعبي، بدأ نجيب في طلب صلاحيات أكثر، وأصبح أقوى مما كان في البداية، لكن الأمور لم تسر هادئة، فقد اندلعت الأزمة الكبرى بين نجيب ومجلس الثورة، بقيادة عبد الناصر، في مارس 1954، ورأى البعض فيها صراعًا على السلطة، فيما رأى آخرون أنها صراع بين توجه نحو الحكم المدنى وآخر مصرّ على إبقاء العسكر في الحكم.

وكان عنوان الأزمة مطالبة نجيب بإعادة الحياة البرلمانية والدستورية، وإلغاء الأحكام العرفية وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وقد صدرت بالفعل قرارات بهذه الأمور في 25 مارس 1954، لكن تظاهرات مطالبة بإسقاط الديمقراطية، يعتبر البعض أنها مدبّرة، غيّرت مسار الأمور، فأُلغيت القرارات السابقة بعد ثلاثة أيام، وخسر نجيب معركته.

وازدادت الأمور سوءًا مع ازدياد المشكلات في جميع أنحاء البلاد، وزادت الإضرابات، وهو ما جعل مجلس قيادة الثورة يعقد اجتماعًا في 17 أبريل 1954 برئاسة جمال عبد الناصر، وتم الاتفاق على الاكتفاء بتولي نجيب رئاسة الجمهورية والرئاسة النظرية لمجلس قيادة الثورة، بينما تولى جمال عبد الناصر رئاسة مجلس الوزراء، وبالفعل بدأ في تشكيل الحكومة منذ اليوم التالي، وبذلك نُزعت بعض الصلاحيات رسميًا من نجيب.

الصدام
يمكن القول: إن الصدام السياسي وصراع السلطة كانت عنوان الفترة التي قضاها محمد نجيب رئيسا لمصر، فبعد انتزاع بعض صلاحياته أتت محاولة اغتيال جمال عبد الناصر في ميدان المنشية بالإسكندرية في 26 أكتوبر 1954، حينما أُطلقت عليه ثمان رصاصات، لم تصبه، واتهم أعضاء من جماعة الإخوان بمحاولة اغتيال عبد الناصر، وحُكم بالإعدام على سبعة منهم، وخُفّف الحكم إلى المؤبد على المستشار حسن الهضيبي، مرشد الإخوان السابق، لتكتب الحادثة فصل النهاية في صدام نجيب وعبدالناصر، حيث اتهم نجيب بالتخابر مع جماعة الإخوان، وفى 14 نوفمبر 1954، أصدر مجلس قيادة الثورة قرارًا بإعفائه من رئاسة الجمهورية، وتحديد إقامته بفيلا “زينب الوكيل” بضاحية المرج خارج القاهرة، وحرمانه من حقوقه السياسية لمدة 10 سنوات.

ظل محمد نجيب قيد الإقامة الجبرية حتى عام 1971، ولم يتم وضع اسمه في كتب التاريخ المدرسية، إلا في عهد الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، الذي أسكنه في منزل تابع لرئاسة الجمهورية، ووضع اسمه في متحف مجلس قيادة الثورة. وعند وفاته في 28 أغسطس 1984، شُيع جثمانه في جنازة عسكرية.

يعتبر البعض محمد نجيب الرئيس المظلوم الذي قادته رغبته في تحقيق الديمقراطية إلى الهاوية، ويرى آخرون أنه كان له دور محدد لا يجوز تجاوزه، وأن قيادة الثورة حق لمن صنعها فعليًا.

في المقابل، يرى آخرون أن مجلس قيادة الثورة لم يكن ضد الديمقراطية، والدليل أنه بالفعل تم الاستفتاء على تولية جمال عبد الناصر الحكم، وبذلك أصبح أول رئيس مصري مُنتخب، بعدما كان نجيب أول رئيس مصري مؤقت ومُعيّن، ما يعنى أن عبد الناصر حكم استنادًا إلى خيار الشعب.
الجريدة الرسمية