رئيس التحرير
عصام كامل

شيخ النحاتين.. رجل يعشق الحجر.. مصطفى جاب الله يحلم بنحت تمثال لـ «أبو الهول» في سيناء ولديه ٧٧ ابنا وحفيدا.. السادات استدعاه للمشاركة في معرض «النصر والسلام»

فيتو

لا يمتلك أنامل ذهبية، لكن الله منحه موهبة تحيل “الحجر إلى أثر”.. موهبة على الفطرة، صقلها بمرور السنوات، لجأ إليها في بدايات عمره، أتقنها كما يجب أن يكون الإتقان، فمنحته مقابل إتقانه وتفانيه هذا أسرارها عن طيب خاطر.


مصطفى جاب الله على سليمان.. شيخ النحاتين، ابن محافظة المنيا، تحديدًا قرية البهنسا، التابعة لمركز بنى مزار، عمره 79عامًا، قضى منه أكثر من نصف قرن في مجال النحت، وذاع صيته ليس في قريته أو محافظته، بل خارج حدود مصر، شارك في ترميم تمثال أبو الهول، ولم يطلب الحصول على أية مكافأة، مكتفيًا بشرف المشاركة، وخبرته جعلته يقف أمام طلاب العلم في جامعة المنيا، ليكشف لهم أسرار “النحت”، ويزيح الستار عن جزء كبير من تجربته مع “الحجر”.

ذكريات
«جاب الله».. رغم سنوات عمره الطويلة والتي تتضح من قسمات وجهه، إلا أنه ذاكرته لا تزال تحتفظ بكل تفصيلة خاصة بإبداعاته، لا تزال تحفظ عن ظهر قلب ما أبدعته يداه، وعن البدايات قال «شيخ النحاتين»: أواخر حكم الملك فاروق وأوائل حكم الرئيس جمال عبد الناصر صدر قرار بأن من بلغ 16 عاما لا يكمل تعليمه، وكنت في حيرة شديدة، والمولى عز وجل ألهمنى العمل مع أبى في النحت والترميم، ووالدى كان يعمل وقتها تاجر آثار، ويمكن القول إنه معلمى الأول وأستاذى الوحيد.

سنوات قليلة مرت على الشاب «مصطفى جاب الله»، سرعان ما بدأت بعدها أخباره تنتشر بين الناس، وزادت معدلات إقبال محبى اقتناء الآثار على شراء منحوتاته، حتى ألقت ولأول مرة مباحث الآثار القبض عليه، وتم تحرير محضر له في قرية صندفا، التابعة لمركز بنى مزار، اتهمته خلاله بأنه يمتلك قطعا أثرية، ورغم محاولاته المستمرة إثبات أن القطع التي تم التحفظ عليها من نحته هو شخصيًا، فإن الضابط المسئول رفض تصديق الأمر، وجاء مفتش آثار يدعى محمود حمزة، وأجرى معاينة على المضبوطات ثم كتب تقريرا أكد فيه أنها أثرية، غير أن «جاب الله» رفض النتيجة تلك، وطلب استدعاء خبير من القاهرة، وبالفعل حضر الخبير وأكد أن المضبوطات غير أثرية، وأوصى بتسليمها لأصحابها وخرج وقتها جاب الله مسرعًا من قسم الشرطة، وبحوزته شهادة الخبرة في النحت التي منحها له الخبير الأخير، متجهًا إلى السجل المدنى لاستخراج بطاقة شخصية كتب في خانة الوظيفة «نحات تماثيل».

مباحث الآثار
وعن الأيام التي تلت تلك الواقعة قال: «أنتجت تماثيل أخرى، غير أننى سرعان ما وجدت مباحث الآثار تلقى القبض علىّ وتحرر محضرا آخر لى، وانتظرت 44 جلسة أمام المحاكم، واكتشفت بعد ذلك أن هناك من قدم رشوة للمحامى الخاص بى ليتغيب عن حضور الجلسات، وبالفعل أصدرت المحكمة حكما بسجنى عاما كاملا، واستأنفت على الحكم، لكن في يوم الجلسة توفى شقيق المحامى، ما دفعه للتغيب عن حضور الجلسة، ووجدتنى أقرر أن أدافع عن نفسى أمام القضاة، وكان بحوزتى تمثال نحته في وقت سابق، ووضعت بداخله نقودا من عصرنا، ووجهت حديثى للقاضى مطالبًا إياه بإخراجى من القفص وإعطائى الفرصة للدفاع عن نفسى، واستجاب لطلبى، وفور خروجى طلبت كسر التمثال، وبعد كسره سقطت منه النقود، فوجهت سؤالا للمحكمة هل النقود التي سقطت من التمثال أثرية أم لا فقال: نقود حديثة، قلت له إذن أنا براءة وبالفعل منحنى البراءة».

وأكمل: «الرئيس الراحل محمد أنور السادات أرسل لى برقية لإقامة معرض «النصر والسلام» وأرسل مندوبا من وزارة الثقافة إلى محل إقامتى ببلدتى البهنسا، ونقلتنى سيارة إلى الهرم بالقاهرة، وافتتح الرئيس المعرض بمدينة الفنانين بالهرم، وتم تعيينى في الآثار على درجة خبير.

مضيفًا: أقمت معارض أخرى تحت عنوان «الصحة وتنظيم الأسرة» ومعرض «البحث عن أمراض القلب»، ومعرض «مليون بيضة» بقرية شوشة افتتحه الرئيس السادات، وأقمت معارض كثيرة مع طلاب الكليات وحصلت على جوائز عديدة.

أبو الهول
وعن مشاركته في ترميم «أبو الهول» قال: «علمت أنه يتم ترميم أبو الهول عن طريق الحقن، فأرسلت إلى هيئة الآثار طلبًا أوضحت خلاله أننى أريد المشاركة في عملية الترميم، وبالفعل وافقت الهيئة على طلبى، مشيرا إلى أننى سأتحمل تكلفة مشاركتى على نفقتى الخاصة، فصممت على الذهاب والمشاركة، وكان زاهى حواس وقتها يعمل مفتشا للآثار وحينما توجهت إلى تمثال أبى الهول لاحظت تآكل ظهره تماما بسبب الحقن والجسم طبقات من الحجر الجيرى وأجريت المعاينة وتم الانتهاء من ترميم أبو الهول بالطريقة التي منحتها للعمال دون أن أحصل على أية أموال مقابل الترميم، ولم أبحث عن أي عائد مادي».

التدريس في الجامعة، محطة أخرى في حياة «شيخ النحاتين» قال عنها: على مدار خمس سنوات درست لطلاب جامعة المنيا فن النحت مقابل الحصول على مبلغ رمزى.

سر التحنيط
وأكد «شيخ النحاتين» أنه يمتلك سر التحنيط، الذي مكنه من تجسيد العديد من التماثيل التي اتهمنى البعض بأنها أثرية قديمة، والسر يكمن في الماء والملح والتراب المكونات الأساسية للتحنيط.

وفى نهاية حديثه طالب «جاب الله» المسئولين بمحافظة المنيا في مقدمتهم اللواء عصام الدين البديوي، محافظ المنيا بحل أزمته مع الوحدة المحلية قائلا: «بيتى الذي أعيش فيه تراه الوحدة المحلية أملاك دولة، وأنا لست قادرا على الطعن في الوحدة المحلية، أو ادفع إيجارا لكونه ثقيلا عليا بسبب أننى أتداوى بالمعاش الشهرى الذي أحصل عليه وأرجو الإيجار بالإضافة إلى أن لدى ما يثبت أن المنزل ملكى وخطابات من مجلس النواب إلا أن الوحدة المحلية مازالت تقف ضدي».

وأكمل موجهًا رسالة إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، قائلا: «أبلغ من العمر نحو 79 عامًا ولدى من الأبناء والأحفاد 77، فيهم فنانون مبدعون قاربوا سن المعاش، في مقدمتهم الفنان حسنى جاب الله نجلى الذي أدعو أن تهتم الدولة بفنه وتحقيق حلمى بنحت تمثال آخر لأبو الهول بصحراء سيناء.

"نقلا عن العدد الورقي.."
الجريدة الرسمية