رئيس التحرير
عصام كامل

مراجعات ثورية (2)


ذكرت فى المقال السابق أن المدبر والمخطط لثورة يناير هو من يحكم مصر اليوم، وأن مشاهد الغضب لم تكن إلا ستارا يتلاعب من خلفه بقلوب الجماهير اعتمادا منه على سرعة تنفيذ خطته واتساع رقعتها، فهى تتعدى حدود الوطن لتشغل مساحة واسعة محيطة تبدأ من تونس وتنتهى فى سوريا، وما أدراك ما سوريا!


سوء سمعته التاريخية يلاحقه دائما فيضطره للتخفى والمناورة، ويمنعه أيضا من تصدر المشهد إلا من وراء حجاب، وعليه فقد قررت جماعة المستفيدين أن تتسلم الحكم رسميا وتحت غطاء شرعى يعترف به الجميع، لذا كان يجب عليها أن تتسلم السلطة يدا بيد من إحدى المؤسسات الوطنية التى يرتضيها الشعب حكما ويعتد بها كآخر حائط صد.

فقد قبلوا ضمنا أن تنتهى الثورة بتخلى مبارك عن السلطة وتسليم المسئولية للقوات المسلحة المتمثلة فى المجلس العسكرى وقياداته، وينتقل بذلك إلى جولة أخرى يسعى فيها للسلطة بصفة "المدنى المنتخب" ويكون بذلك قد أضفى الشرعية الوهمية على حكمه.

ولأن المؤسسة العسكرية على دراية كاملة بما يتم تدبيره فقد احتاطت كثيرا أو حاولت، متأرجحة فى تصريحاتها ما بين إخفاء الحقائق لأسباب سياسية ومحاولات المحافظة على التأييد الشعبى باعتباره أهم دعائم القوات المسلحة وسبب قوتها، وهو ما لم يساعدهم فى إتقانه خبرتهم السياسية والظروف المحيطة، كما كان لطابعهم العسكرى نصيب من ذلك أيضا.

لكن أى ظروف تلك التى تمنع القوات المسلحة من أداء دورها الوطنى وحماية الأمن القومى للبلاد؟
نعلم جميعا وكما يتردد فى أنحاء المعمورة أن أحد أهم أخطائنا كثوار أننا تركنا الميدان يوم 11 فبراير، وأنه كان علينا الاستمرار فى الاعتصام لحين استكمال مطالب الثورة، إذًا فقد كان المعتدى عليهم فى يومى 25 فبراير و 10 مارس مجهولى الهوية أو التوجه بالنسبة لنا باستثناءات لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، وهو ما لا يعنى مطلقا إلزام الجيش بعد استخدام العنف ضدهم، فهناك الكثير من الحالات التى تنص فيها الدساتير فى العالم أجمع على حق استخدام القوة من قبل السلطة وخصوصا فى حالات إثارة القلاقل وتعمد الإضرار بالأمن العام.

لكن سرعان ما خرجت الأبواق العالية لتعلن رفضها لاستخدام القوة المفرطة تجاه من أسمتهم "بالمتظاهرين"، ولم تخل الاحتجاجات بالطبع من الشباب المنجرف خلف مبادئه المصاغة من قبل لمثل تلك المواقف، فخرجت قوية وأعلى من صوت الحق "يسقط يسقط حكم العسكر"

"التوريط" أمام الشعب كان الحيلة التى استخدمت فى مواجهة الجيش منذ أول أيام توليه السلطة، ففى كل شهر وحتى شهر أكتوبر نجد الصور والفيديوهات تملأ مواقع التواصل الاجتماعى عن حادثة لأفراد القوات المسلحة فى اشتباك مع مدنيين مجهولى الهوية، ولا تنس قارئى العزيز أن الآلة الإعلامية الثورية لم تكن بالتطور والقدرة المتوفرة فى حين قراءتك لهذا المقال.

وجاءت تصريحات المجلس العسكرى منذ بداية الصراع المصطنع محاولة منه لمراعاة الحسابات السياسية من ناحية ومخيبة لآمال الشعب المصرى ومتجاوزة فهومه من ناحية أخرى، فبداية بـ"ورصيدنا لديكم يسمح" وانتهاء بـ"هناك فصيل من مصلحته الوقيعة بين الجيش والشعب" كان قد راح العديد من الضحايا جسديا وذهنيا وخسرت القوات المسلحة قطاعا كبيرا من مؤيديها فى القطر كله.

ماذا كان موقفك من ذلك كله ولأى مدى كنت داعما لأحد الطرفين؟ هذا هو السؤال الذى يجب أن تجيبه قبل أن نكمل سلسلة المراجعات.. ودمتم.

twitter.com/MahmoudNabeel
الجريدة الرسمية