رئيس التحرير
عصام كامل

أعياد الأقباط «الله محبة».. أنهوا الصوم الكبير.. ويستعدون لـ«القيامة».. «مكاريوس»: فرحتنا الكبرى هي علاقات الود التي تربطنا بإخواننا المسلمين.. و«لمعى»: اطلبوا

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

مشاعر متضاربة يعيشها الأقباط في «أسبوع الآلام»، فما بين فرحة قرب انتهاء فترة «الصوم الكبير»، المقدرة بـ55 يوما، وما يتخللها من أعياد تبدأ بـ«أحد الشعانين»، وحسرة «الخيانة» التي واجهها المسيح من «يهود عصره»، وتزامنا مع الاحتفالات بـ«أحد الشعانين»، تحل الذكرى الأولى لتفجيرات «طنطا والإسكندرية»، الحادث الإرهابى الذي راح ضحيته عشرات الأقباط ورجال الشرطة.

«أسبوع الآلام»، يبدأ بـ«أحد الشعانين»، وهو الأحد السابع من الصوم الكبير والأخير قبل عيد القيامة، وهو ذكرى دخول المسيح أورشليم أو«القدس»، حيث استقبله اليهود بـ«السعف»، وفرشوا أمامه «ملابسهم»، وهتفوا «أوصنا لملك اليهود»، ويحرص الأقباط على شراء «السعف»، بعد أن يشكله الباعة كـ«القلب»، أو «التاج» أو «الصليب».

يكتسب «أسبوع الآلام» قدسية من سلسلة الأحداث المؤلمة التي شهدها زمن السيد المسيح، وفيه يحرص الأقباط على الالتزام التام روحيا وسلوكيا، وله قدسية خاصة أيضا في الكنيسة، حيث تكتسى الكنائس الأرثوذكسية كلها بـ«الأسود»، وتوضع الستائر السوداء، ويستبدل الشمامسة ملابسهم البيضاء بالسوداء، ويمنع إقامة حفلات الزفاف، كما تحظر «القبلات»، خاصة يوم الأربعاء، حتى لا يوصف صاحب القبلة بـ«يهوذا الخائن».

وتبدأ الكنيسة طقس «أسبوع الآلام» وصلوات «البصخة المقدسة»، عقب قداس «أحد السعف»، ويبدأ بصلاة «التجنيز العام»، التي تصلى على جميع المسيحيين، لعدم إقامة أي صلوات تجنيز -جنازات- في هذا الأسبوع على أي متوفى، وتستمر البصخة المقدسة حتى يوم الجمعة المقبل، وتتلى التسابيح والصلوات بالألحان الحزينة، ويعقبها سبت النور، وبعده أحد القيامة للاحتفال بالعيد.

مخزون السنة
القس يحنس القمص يوسف، راعى كنيسة العذراء ميدوم في أطفيح، قال إن «أحد الشعانين»، هو ذكرى دخول المسيح أورشليم، واستقباله كملك، مشيرا إلى أن من محاسن «أسبوع الآلام» هو الصوم الانقطاعى على مدار الأسبوع، وقراءة الإنجيل، واصفا «أسبوع الآلام» بـ«مخزون السنة»، حيث إن الإنسان الروحى يحيى به طوال العام.

وأوضح أن فترة الصوم يمتد مفعولها طوال العام، ويعيش الإنسان الروحى على أثرها لأطول فترة ممكنة، بحيث لا تكون مجرد أيام عاش فيها الصيام، أو غير نوع الطعام الذي تناوله.

وتابع: يحتفظ الأقباط أيضا في ذكرى «أحد الشعانين»، بمحبة المسيح لهم، فتجدهم يشكلون «السعف» على شكل «قلب»، في إشارة إلى المحبة التي هي محور العلاقة بين الله والإنسان، وتجسدت في وجود «المسيح» بينهم على الأرض.

«شعانين»، جاءت أيضا من الكلمة العبرانية «هو شيعه نان»، وتعنى «يا رب خلص»، ومنها تشتق الكلمة اليونانية «أوصنا» وهى الكلمة التي استخدمت في الإنجيل من قبل الرسل والمبشرين، وهى الكلمة التي استخدمها أهالي أورشليم، عند استقبال المسيح.

15 بندًا للاستفادة والتعلم
القمص داود لمعي، كاهن كنيسة مارمرقس في مصر الجديدة، قال: إن «أسبوع الآلام» يتلخص في ثلاث كلمات وهى «أسبوع حب»، و«أسبوع خوف»، و«أسبوع تغيير»، مشيرا إلى أن جميع صور الحب تظهر في «أسبوع الآلام»، بداية من تقديم الملابس أمام المسيح، مرورا بالهتاف له.

وأوضح لمعي، أنه «أسبوع خوف»، لأنه يكشف قبح الخطية، ومدى تأثيرها في الإنسان، ونتائجها من «عري»، والخزى والعذاب، كما أن الخوف يأتى من تخاذل واستهتار الإنسان تجاه من قدمه الله من محبة للإنسان.

وأكد «لمعي» أن من بركات «أسبوع الآلام» القدرة على التغيير، حيث الحب والخوف اللذان يظهران في أسبوع الآلام يتبعهما رغبة في التغيير، تغيير من استهتار إلى خوف مقدس، وخدمة الآخرين، وإظهار المحبة للجميع دون تفرقة، مشيرا إلى أن الحب والخوف يحركان الرغبة الداخلية في التغيير.

«لمعي» حدد تدريبات للاستفادة من قراءات «أسبوع الآلام»، أولها «أثناء النبوات»، وفيها يجب البحث عن «المسيح المخلص - رسائل التوبة - رسائل الرجاء»، أما «أثناء ثوك تاتى جوم»، - جملة قبطى تعنى «لك القوة والمجد»، وتردد خلال «الجمعة العظيمة»، وفيها يجب أن يتخيل الإنسان منظر السماء وتسبيح الملائكة، بجانب طلب الرحمة من الخطايا والتقصير، وشكر المسيح على حمل الخطايا، وطلب الرحمة لمن يحبهم.

وشدد «لمعي» على ضرورة التفكير أثناء قراءة المزمور واللحن القبطي، في ماذا يريد الله من الإنسان، بجانب شكر الله على ما قدمه لأجله، وطلب المغفرة على ما اقترفه من خطايا، وطلب المعونة على أمور الحياة، وترك الخطية. أما «صلاة الطلبة»، فعلى الإنسان أن يتذكر خلالها الدينونة أو نهاية العمر باتضاع من خلال «ميطانيات».

«لمعي» أوضح أنه في «أسبوع الآلام»، يجب أن يطلب المغفرة من الله في أسبوع الآلام ويتذكر الإنسان محبة الله له، ويبادله نفس الحب من خلال «الغلابة» و«التعبانين»، ونصح بالإكثار من زيارة المرضى والفقراء، باعتباره عمل خير لا يتعارض مع حب الله، مشيرا إلى أن الإنسان الروحى يخدم هذه الفئات طوال العام، فبالأولى خدمتهم في «أسبوع الآلام».

ووضع كاهن كنيسة «مارمرقس»، 15 بندا للاستفادة من الصوم و«أسبوع الآلام»، بدأها بالإكثار من زيارة المرضى خاصة في أيام البصخة، والتصالح مع من على خلاف معهم، بجانب إغلاق التليفزيون و«فيس بوك»، للتركيز في قراءة الإنجيل.

وشدد «لمعى» على التقليل من «الرفاهية» في «أسبوع الآلام»، وهى «خطوة في درجة النسك»، مع الصلاة ١٠ مزامير يوميا، على التركيز خلالها على طلب الرحمة، وعمل «ميطانيات» بقدر الإمكان، والشبع بحضور القداسات، والتوقف عن «الشوبنج» طوال الأسبوع، مع توزيع الموجود لديهم لرسم البسمة على الآخرين.

كل يوم في «أسبوع الآلام» يحتفظ باسم معين، مرتبط بـ«حدث»، فيبدأ بـ«أحد الشعانين»، وهو ذكرى دخول المسيح أورشليم، ثم «اثنين شجرة التين غير المثمرة»، و«ثلثاء الويلات» و«أربعاء المشورة الرديئة»، حيث فيه اتفق يهوذا مع اليهود على خيانة المسيح، وتحذر فيه «القبلات»، و«خميس العهد»، وشهد العشاء الأخير الذي جمع المسيح مع تلاميذه، و«الجمعة العظيمة»، وفيها قبض على المسيح وصلب ودفن، و«سبت النور»، والذي سبق يوم القيامة، وأخيرا «أحد القيامة».

من جانبه.. يحتفل القس مكاريوس فهيم قليني، راعى كنيسة الأنبا أنطونيوس بمدينة بدر، على طريقة مصرية خالصة، مبرزا الدور المجتمعى المصرى في إنعاش القيم الروحية والمجتمعية له، بإحداث تغيير في قيم الصوم الكبير، حيث قال : “فترة الصوم التي تكون على مدار سبعة أسابيع، ويليها الإفطار الكبير أو العيد الكبير “عيد القيامة”، أصبحت تعامل معاملة صوم رمضان عند إخواننا المسلمين، وتنتهى هذه الفترة بما يعرف بـ”الدرة” الخاصة به وهى “أسبوع الآلام” الذي يكون فيه الصوم انقطاعا عن الطعام والشراب، حتى منتصف الليل، وتكثر به الطقوس والعادات الروحية، وامتثال صورة المسيح في كل تفصيلة من تفاصيل اليوم، ويكون الطعام بها نباتيا، وإخواننا المسلمون راعونا خلال أيام الصوم تماما كما يحدث في رمضان، فقيم المشاركة هي أهم ما أفادنا خلال هذه الأعياد الممتدة خلال أسبوع متكامل، يستعد له المسلم قبل المسيحي”.

فبالرغم من مرور آلاف الأعوام على هذه الطقوس التي سار على خطاها من عاشوا مع المسيح أو من جاءوا بعده، إلا أنه ثمة مجموعة من التعاليم التي مازالت تترك آثارا في نفوس الأقباط، ليسوا هم فحسب ولكن مسلمى المجتمع المصرى أيضا، وفى هذا الشأن يقول فهيم: “الاستفادة الأكبر التي خرجنا بها حديثا من كل عيد للقيامة، هي الاندماج بين المسلمين والمسيحيين جنبا إلى جنب، فجميعنا حينما تحل هذه الأيام التي تلى الإفطار الكبير، نسير في الشوارع ونجد شبابا وأطفالا، ممسكين بأغصان النخيل فلا نعرف إذا كان مسلما أو مسيحيا، فهذا العيد تحديدا وطقوسه الروحانية العالية، لديه القدرة على دمج البشر أجمع تحت لوائه”.

كما ثمن فهيم الدور الإعلامي المصرى التوعوي، حيال التعريف العام بأعياد الشعانين وأحد السعف، التي تعود لفترة دخول السيد المسيح للقدس، وكان في استقباله العشرات من اليهود والمسيحيين المنضمين للديانة، خلال آخر أسبوع له على الأرض، قدم المسيح مجموعة من القيم والنصائح، التي تدوى بها أرجاء الكنيسة خلال أسبوع الآلام، فضلًا عن إبراز الجوانب المسيحية وطقوسها ونظامها والنشاط والمستوى الثقافى المستنير، من أجل تقريب وجهات النظر بين طوائف الشعب الواحد، فكثيرون كانوا يجهلون ما يحدث داخل الكنيسة الأرثوذكسية القبطية، في حين كان الأقباط جميعا يعلمون صلاة التراويح والصيام والصلاة.


"نقلا عن العدد الورقي"..
الجريدة الرسمية