معركة الموازنة في البرلمان.. برلمانيون لـ«فيتو»: متمسكون بالاستحقاقات الدستورية.. مخاوف من مجاملات «دعم مصر» للحكومة على حساب المواطنين.. والتعليم والبحث العلمي والنقل أبرز الملفات
حدد دستور مصر 2014 في المواد 18 و19 و21 و23، نسبة من الإنفاق الحكومى من الموازنة العامة للدولة على قطاعات الصحة، والتعليم قبل الجامعي، والتعليم الجامعي، والبحث العلمي، من الناتج القومي، تبلغ 3% و4% و2% و1% على الترتيب، على أن تتصاعد تدريجيًا حتى تصل لمعدلات الإنفاق العالمى على هذه القطاعات، وعُرفت هذه المخصصات بالاستحقاقات الدستورية في الموازنة العامة للدولة.
وبالرغم من أن البرلمان شهد خلافات أثناء مناقشة موازنة العام المالى الحالى 2017 /2018، إلا أن لجنة الخطة والموازنة، والمعنية بالأمر أصدرت نهاية 2017 تقريرا أكدت فيه التزام الحكومة بالاستحقاقات الدستورية.
التعليم
وجاءت المخصصات الدستورية في الموازنة على النحو التالي: التعليم قبل الجامعى 141 مليارًا و57 مليون جنيه بنسبة 4% من الناتج المحلى الإجمالي، والتعليم العالى 68 مليارًا و155 مليون جنيه بنسبة 2% من الناتج المحلى الإجمالي، أما مخصصات قطاع الصحة فهى 105 مليارات و217 مليون جنيه بنسبة 3% من الناتج المحلي.
ويبدو أن الالتباس لدى البعض في تفسير المخصصات الدستورية في الموازنة العامة للدولة، يؤدى إلى الخلاف، فضلا عن أن هناك بعض القطاعات مثل الصحة يندرج تحتها ملف مياه الشرب والصرف الصحي، ليكون بذلك المخصص لملف الصحة منفردا أقل بكثير من المخصص الدستورى.
الدستور أولًا
في هذا السياق تعهد الدكتور محمد خليل العماري، رئيس لجنة الشئون الصحية بمجلس النواب، بأن البرلمان لن يمرر الموازنة إلا بموافاة الاستحقاقات الدستورية، قائلا: متمسكون بما نص عليه الدستور في مخصصات الموازنة العامة للدولة لقطاعات الصحة والتعليم قبل الجامعى والتعليم الجامعى والبحث العلمي، والمقررة بنسبة 10% من الناتج القومي الإجمالي.
وحول أزمة حساب الاستحقاقات الدستورية في الموازنة العامة، أوضح النائب محمد خليل العماري، أن الأزمة تكمن في الحكومة التي تعتبر أن المياه والصرف الصحى ضمن منظومة الصحة، مثلما يحدث في أغلب دول العالم، وهو ما يؤدي إلى تقليص المخصص لموازنة الصحة المقدرة بـ3% من الناتج القومي، حيث إن هذه النسبة لا تذهب كاملة لقطاع الصحة.
فيما قال خالد الهلالي، عضو لجنة الشئون الصحية: أتوقع أن تزيد المخصصات المالية لقطاع الصحة في الموازنة الجديدة لعدة عوامل، أهمها التحسن الاقتصادى الذي يترتب عليها زيادة الناتج القومى الإجمالي، وخفض العجز في الموازنة، فضلا عن الاستحقاق الدستورى الذي أقر بزيادة المخصصات المالية كل عام، إضافة إلى نقطة مهمة وهى دخول محافظات القناة في منظومة التأمين الصحى الجديدة، وهذه سيكون لها حسابات مختلفة.
فوائد الدين
أما في قطاع التعليم والتعليم العالي، والبحث العلمي، فقد أوضح خالد الهلالى أن الأزمة التي تواجه القطاعات التي لها استحقاقات دستورية هي فوائد الدين، فضلا عن موازنات الأجور، مشيرا إلى أن الأجور في قطاع التعليم وحدها تلتهم 83% من المخصصات المالية لها في الموازنة العامة.
وأشار عضو مجلس النواب إلى أن 17% فقط هي المتبقية من المخصصات المالية في الموازنة للتعليم، وهذه النسبة غير كافية على الإطلاق لعمل نهضة تعليمية وإنشاءات جديدة وتطوير المنظومة، وهو ما يعطل بعض الخطط التي تضعها الوزارة لعمليات التطوير.
وأكد النائب أن البرلمان لا يقبل تمرير الموازنة العامة للدولة بالمخالفة للدستور، ولكن المشكلة تكمن في دخول قطاعات على قطاعات في الموازنة، مثل الصرف الصحى والمياه على حساب موازنة الصحة وغيرها.
من جهته، تمسك الدكتور جمال شيحة، رئيس لجنة التعليم والبحث العلمي، بزيادة مخصصات التعليم قبل الجامعى والتعليم الجامعي، وكذلك مخصصات البحث العلمي، وفقا لما نص عليه الدستور.
وأوضح النائب أن الدستور أقر استحقاقات دستورية معينة، ولم يقف عند هذا الحد، بينما جاء في النص الدستورى الالتزام بزيادة هذه المخصصات، وفقا للمعدلات العالمية، لافتا إلى أن قطاع التعليم يجب أن يحظى باهتمام كبير، سواء من خلال تحسين العملية التعليمية بإنشاءات حديثة أو إعادة تأهيل الموجودة فعليا، بالإضافة إلى تحسين أوضاع مقدمى الخدمة.
ولفت رئيس لجنة التعليم، إلى أن الموازنة لم تصل إلى البرلمان حتى الآن، ليتم الحديث عن رقم معين لقطاعات التعليم المختلفة والبحث العلمي.
وأكد شيحة في تصريح لـ “فيتو”، أهمية زيادة مخصصات التعليم والبحث العلمي بالموازنة الجديدة مقارنة بالموازنة السابقة، موضحا أن التدرج في الزيادة أمر طبيعى، خاصة في ظل النص الدستورى الذي يلزم بنسبة من الدخل القومى للبلاد بموازنة التعليم والبحث العلمى والصحة.
وأكد رئيس لجنة التعليم والبحث العلمى في البرلمان، أن اللجنة ستتمسك بالنسب الدستورية في مخصصات التعليم والبحث العلمى، مشددا على أن تطوير البحث العلمى والتعليم في مصر يقود البلاد للتنمية الشاملة في مختلف المجالات، وأنه ليس هناك طريق آخر لتنمية البلاد سوى بتطوير البحث العلمى والاهتمام بالتعليم.
الأجور
ولفت الدكتور جمال شيحة، إلى أن أزمة فوائد الدين، فضلا عن أن جزءا كبيرًا من المخصصات يذهب إلى الأجور، كل هذا يعطل وجود إنشاءات جديدة وتطوير العملية التعليمية، مشيرا إلى أنه لا ينتقص حق المعلم في الحصول على الأجر العادل، ولكن يجب أن يكون هناك ضبط في هذه المسألة من خلال زيادة المخصصات المالية.
أما النائب أشرف رحيم، عضو لجنة النقل والمواصلات في مجلس النواب، أكد أن قطاع النقل يحتاج إلى زيادة في المخصصات المالية بالموازنة العامة للدولة 2018 /2019، لتتمكن القطاعات المختلفة داخله من الوفاء بالالتزامات من حيث التطوير وتحسين الخدمات.
وأكد النائب أن الموازنات حينما تكون ضعيفة، يذهب أغلبها لبند الأجور وسداد فوائد الدين، ليتبقى جزء بسيط لا يمكن من خلاله تحقيق المستهدف، مشيرا إلى أن قطاع السكة الحديد يعانى من انتكاسة كبيرة، فبعدما كنا رقم 2 في العالم بعد إنجلترا أصبحت هناك حالة ركود غير عادية وهو ما يستلزم زيادة المخصصات المالية.
وأوضح أشرف رحيم، أن الدولة إن لم تتدخل في إنقاذ السكة الحديد وزيادة الموارد المالية في الموازنة العامة الجديدة 2018 /2019، فقد ينهار هذا المرفق المهم والحيوي، أكثر مما يعانيه من انهيار، مشددا على ضرورة أن يتم توجيه جزء كبير من الموازنة العامة للدولة إلى قطاع النقل وتحديدا السكة الحديد.
ولفت عضو لجنة النقل والمواصلات في البرلمان، إلى أن الاهتمام بموازنة قطاع النقل أمر ضرورى لأنه من القطاعات التي تحقق عوائد للدولة، مشددا على ضرورة ألا تكون زيادة المخصصات المالية على حساب المواطنين، حيث إنه يتوجب على الحكومة مراعاة البعد الاجتماعي.
وتمسك رحيم بألا تحصل الحكومة الزيادة في المخصصات المالية من جيوب المواطنين، مشيرا إلى أن الأوضاع الاقتصادية تحسنت، ومعها تتحسن مؤشرات الموازنة العامة للدولة سواء من زيادة الناتج القومى الإجمالي، أو من خلال خفض العجز المتوقع.
ولفت عضو مجلس النواب إلى أن هناك قطاعين أيضا يجب التركيز عليهما، هما النقل النهرى والنقل البري، مشيرا إلى أن تحسين أوضاع هذه القطاعات سيكون له مردود إيجابى في تحسين الخدمة وزيادة موارد الدولة.
وأكد النائب أشرف رحيم أن اللجنة ستقوم بدورها أثناء مناقشة الموازنة المخصصة لقطاع النقل، في التأكد من أوجه الصرف بحيث يكون هناك خطط واضحة في عمليات التطوير وصيانة القطاعات التابعة للنقل.
الإسكان
وفى ملف الإسكان، أكد المهندس معتز محمود، رئيس لجنة الإسكان والمرافق العمرانية في مجلس النواب، أن هذا القطاع في حاجة إلى زيادة المخصصات المالية في الموازنة العامة الجديدة 2018 /2019، لافتا إلى أن المؤشرات الأولية للموازنة العامة للدولة مبشرة في زيادة الناتج القومى وتخفيض العجز المتوقع في الموازنة نتيجة المشروعات القومية وما ترتب عليه من زيادة في الموارد.
وأكد النائب في تصريحات خاصة لـ«فيتو» أن البنية التحتية لمياه الشرب والصرف الصحى تحتاج لعمليات إحلال وتجديد، مشيرا إلى أن أغلب محطات المياه تحتاج للتجديد لأنها مضى عليها زمن دون إصلاح، وإهمالها أكثر من ذلك يؤدى لأزمات كبيرة.
ولفت النائب إلى أن المخصصات المالية في العام المالى الحالى 2017 /2018 لصالح محطات المياه بلغت مليار جنيه فقط، وما نحتاجه في الموازنة الجديدة 5 مليارات جنيه بزيادة 4 مليارات، قائلا: نتمنى من الحكومة أن تلبى احتياجاتنا في هذا الملف لأن البنية التحتية تنهار.
وطالب معتز محمود، بزيادة أخرى 4 مليارات جنيه لمحطات الصرف الصحى لأن هناك مشروعات كثيرة تحتاج للاكتمال، مشيرا إلى أن المرصود في الموازنة الحالية 10مليارات، وهذا المبلغ غير كاف.
وأكد رئيس لجنة الإسكان والمرافق العمرانية، أن هيئة المجتمعات العمرانية في حاجة أيضا لزيادة المخصصات المالية لتستطيع الوفاء بتعهدات الرئيس للمواطنين، خاصة في ملف الإسكان الاجتماعى الذي توسعت فيه الحكومة في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي.
حكومة مخالفة
على جانب آخر، اتهم محمد العتماني، عضو تكتل 25/30 في مجلس النواب، وعضو اللجنة التشريعية، الحكومة بمخالفة الدستور في الموازنة العامة للدولة عن العام المالى 2017 /2018، خاصة فيما يتعلق بقطاعى الصحة والتعليم، اللذين لهما استحقاقات أقرها دستور 2014.
وأكد عضو مجلس النواب، في تصريح خاص لـ”فيتو” أن ائتلاف دعم مصر يتحمل هذه المسئولية لقيامه بالتنسيق مع الحكومة، وإيجاد المبررات لها من أجل تمرير الموازنة بالمخالفة للدستور.
وأشار النائب إلى أن البرلمان وافق على الموازنة الحالية دون الحد الأدنى 10% من الناتج القومى المخصص للتعليم والصحة، قائلا: وهو ما لمسناه في استمرار تدنى الخدمات في قطاعات الصحة والتعليم، حيث إن أغلب المخصصات المالية ذهبت للأجور، بينما لم يتم تطوير في البنية التحتية أو زيادة في الإنشاءات الجديدة بالنسبة للصحة والتعليم.
وشدد العتمانى على أن تكتل 25/30 في مجلس النواب، يقدم الملاحظات للبرلمان والحكومة بشأن الموازنة، إلا أن أغلب هذه التوصيات يتم تجاهلها.
وأبدى النائب اعتراضه على تهميش الحكومة لملفات الصحة والتعليم، وأنها لا تضعهما على رأس أولوياتها بالموازنة العامة للدولة 2018 /2019، قائلا: نأمل أن تلتزم الحكومة بما نص عليه الدستور لقطاعى الصحة والتعليم، وأن تحافظ الأغلبية البرلمانية على هذه النسبة لما فيه صالح المواطنين.
"نقلا عن العدد الورقي.."