رئيس التحرير
عصام كامل

خبير المياه المصري د. نادر نور الدين: التقيت بـ«مبارك» 4 مرات ووجدته مهمومًا بالوطن

فيتو


  • عينوا المصيلحي بدلًا مني بسبب علاقته بـ "نظيف".. والحزب الوطني رفض تعييني عميدًا
  • عادل إمام رفض طلب صدام حسين بعرض "الزعيم" في قصر الحكم.. وقال له: "أنت تيجي لي".
  • خيرت الشاطر كان يدير البلد.. وطلب مني تولي وزارة الزراعة والري معًا
  • ليست لي علاقة بالزراعة.. ودخلت الكلية بالصدفة، وحبي للتعلم أوصلني للعالمية
  • قلت للأمريكيين أنتم أقل ذكاء منا ولكنكم أكثر عملًا


قليلة هي الشخصيات الموسوعية التي تستطيع التحدث في أكثر من مجال وبنفس الكفاءة، في دول العالم يعد الأشخاص الموسوعيون هم بناة المستقبل الذين يملكون الأفق المتسع واستشراف المستقبل، والدكتور نادر نور الدين، أستاذ استصلاح الأراضي بجامعة القاهرة، واحد من هؤلاء الموسوعيين، فالرجل يتحدث في الزراعة بناء على علمه ودراسته، وملم أيضًا بقضايا المياه، ثم هو خبير تمويني متميز باعتباره مستشارًا سابقًا لوزير التموين، وأخيرا هو دبلوماسي يدرك جيدًا أسس التفاوض مع أي دولة باعتباره كان ملحقًا ثقافيًّا في سفارة مصر بالكويت.

الحديث مع «نور الدين» المولود عام 1955 بعيدًا عن قضايا المياه والزراعة والسلع أمر صعب.. الرجل الذي لم يعتد أن يفتح خزائن أسراره، من العسير أن يتحدث عما عايشه، وكان شاهدًا عليه، باختصار كان المطلوب أن يتكلم كما لم يتكلم من قبل، وهو ما فعله في هذا الحديث.

والبداية، كما يقول عالم المياه المصري، كانت من حي الحلمية، فقد وُلد لأب يعمل قاضيًا، وبالتالي كانت البيئة الثقافية حاضرة، ولكن الأهم في تلك الفترة كان حي الحلمية ذاته، يقول عنه: «كنا نرى جمال عبد الناصر والسادات في الحي، كما أن علوي حافظ، عضو تنظيم الضباط الأحرار، كان ينتمي لنفس الحي.. حزب الوفد كان موجودًا بقوة، القصور كانت حاضرة، وبجانب ذلك مسجدا الرفاعي والسلطان حسن، ذلك التفاعل السياسي والروحي كان هو ما وعيت عليه وشكل باكورة شخصيتي".

وبجانب الحي كان هناك التعليم الجيد، يقول «نور الدين» إن أغلب الفقهاء والعلماء الحاليين خريجي المدارس الحكومية، ثم كانت القراءة ويروي عن نفسه: «أنا كنت غاوي العلوم صحيح، لكن بحب كمان الأدب وخصوصًا قصص الدراسة، وإجازة الصيف كانت عبارة عن قراءة للكتب العلمية والقصص البوليسية، والحاجات دي كانت متوافرة زمان، كنت مبهورًا بيوسف السباعي، ومن أكتر الناس اللي حزنت عليه لما تم اغتياله في قبرص».

غادر نادر نور الدين مرحلة الطفولة، وبدأ في سن المراهقة، استطاع في المرحلة الأولى أن ينهل من العلم، ومن المكتبة الثقافية التي وفرها له والده في البيت، والمرحلة الثانية كان ينمو وسط تفاعلات سياسية، وصحيح أنه لم يتذكر منها شيئًا لكنه يحكي عن يوم وفاة عبد الناصر فيقول: «اتربينا على إن عبد الناصر أبو مصر وبانيها وحبيب الفقراء، وخلَّانا كلنا ندخل المدارس ونتعلم، وفي يوم موته كنا قاعدين في الأوضة، ووالدي كان بيتفرج على نشرات الأخبار، وفوجئنا بالأب اللي ليه مهابة بيعيط، وينتحب بصوت عال جدا.. جرينا وسألناه فيه إيه؟! فقال: عبد الناصر مات.. عبد الناصر مات»، موضحًا أن حب الفقراء سبب حب الناس لجمال عبد الناصر، وجنازته تثبت أنه كان زعيم الغلابة.

في عصر السادات كان نادر نور الدين قد درس في الجامعة، وشاهد كل شيء عن قرب وبوعي أكبر، وبحسب رأيه فإن السادات أذكى بكثير من جمال عبد الناصر، وأكثر ديمقراطية ويتقن مخاطبة الغرب، مصر أنهكتها الحروب، ولكن عيبه الوحيد أنه وثق في الجماعات الدينية زيادة عن اللزوم.

ومن السياسة للعلم، نعود بنادر نور الدين إلى لحظة انتهاء مرحلة الثانوية العامة، وكيف اختار مجال الزراعة الذي يعد الرجل من أهم خبرائه عالميًا بحسب أكثر من تصنيف دولي، ويروي هو تلك اللحظات فيقول: «أنا من مواليد القاهرة،، معندناش بلد وما شفناش زرع ولا أرض ولا ليَّا علاقة بالزراعة، ولما أنهيت الثانوية العامة كان المعروض عليَّ كليات التجارة والتربية والآداب، وفعليًا قُبلت في كلية التجارة لكن أصدقاء لي نصحوني بالالتحاق بكلية الزراعة بسبب تخصصي العلمي في الثانوية العامة».

يضحك وهو يتذكر تلك اللحظات ويضيف: «حبيت اختار قسم بعيد عن الأراضي الزراعية، واتصورت أن قسم استصلاح الأراضي والمياه بعيد، وطلع أن القسم ده أساس الزراعة لأنه بيحدد مدى صلاحية الأراضي للمحاصيل، ومدى استهلاكها للمياه».

وقع الطالب نادر نور الدين في حب كلية الزراعة، وحين حصل على ترتيب الأول على دفعته في أول سنة دراسية اختار ألا يتراجع، وهو ما دفعه لأن يتخرج متفوقًا ويتم تعيينه معيدًا في الكلية، ساهم في ذلك أساتذته الذين دعموه، ومن هنا بدأت رحلته في عالم القراءة العلمية، يقول: «في الزراعة علشان تعرف حاجة هتلاقي نفسك لازم تعرف حاجات من أقسام تانية، أنا في وقت من الأوقات كان لازم أدرس الجغرافيا بكل أنواعها، وده خلاني واسع المعرفة، ومتمكن من أساسيات العلم الحديث، وده انعكس لما بدأت أكتب في المجلات العلمية».

حتى عام 88 كان الدكتور نادر نور الدين يعمل بجامعة القاهرة، وفي هذا العام حصل على درجة الدكتوراة، وبدأت وقتها الولايات المتحدة الأمريكية تطرح منح «السلام»، وحصل على تلك المنحة، وسافر ونشر هناك 3 أبحاث دولية.

أول تجربة مع العالم الغربي كانت تحمل الكثير من الأفكار للأستاذ الجامعي، يحكي عنها: « أول ما أدهشني هناك توافر الخامات للباحثين، وكانت تلك مشكلة في مصر، أيضًا حبهم للعمل والتزامهم بالمواعيد تمامًا، قلت لهم وقتها: أنتم أقل ذكاء منا لكنكم أكثر عملًا، وحين بدأ احتكاكي بهم كانوا يسألونني: أنت من مصر؟ وأرد عليهم: مصر فيها عقول ذكية جدا.. وكانوا بدءوا يحسوا بيَّا لما عدلت عليهم بعض الطرق واستغربوا في الأول لأنهم فاكرينا بلاد الجمال والبدو والصحرا، وهما كانوا شايفين إن مصر أفضل من الدول العربية ويقولوا علينا فراعنة مش عرب".

ويكمل عن ذكرياته: «لما بدأت أعدّل بعض الطرق وبدءوا ينتبهوا ويتعاملوا معايا، عرضوا عليا اني أقعد، لكن من ضمن عيوب منح السلام إنه ممنوع تسافر زوجتك معاك وزوجتي كانت حامل لما سافرت، ولما رجعت أنا شفت ابني وهو 6 شهور وكان مش عارفني في الأول، ودي كانت مشكلة نفسية بالنسبة لي، ابني خايف مني"!

ويكمل العالم المصري رحلته، فبعدها بعامين سافر إلى كندا أيضًا كأستاذ زائر، وفي عام 1992 نُشر أول بحث دولي مع باحث أمريكي كبير في علم استصلاح الأراضي، وكان البحث عن طرق جديدة للاستصلاح فتبقى صالحة بعد شهرين بدلًا من 3 سنوات، وأحدث البحث صدى علميًا ما جعله معروفًا عالميًا، ويقول عن النشر الدولي إن الباحث الذي لا ينشر عالميًا سيظل محليًّا بكل ما تحويه الكلمة من معنى، ولن يعرفه أحد حتى لو كان «شاطر».

تلك الفترة الذاخرة يصفها نادر نور الدين بأنها كانت الأقوى لمصر «كان هناك تبادل علمي بين جامعات كندا وجامعات مصر، وبعد السادات كان اسم مصر عالميًا قد بدأ يتردد والعلماء المصريون أصبحت لهم سمعة طيبة، لما رجعت مصر بدأت أكتب كتبا علمية وده لازم يكون عندك علم كتير فأنا في تلك الفترة ألفت 20 كتابا علميا غير أكاديمي وبعدها انتشر خارج مصر ليخضع للتحكيم عالميًا».

مع بداية الألفية الثانية، كان نادر نور الدين قد عُرف على كافة المستويات بأنه الرجل الموسوعي الذي يمكن أن يتحدث في قضايا المياه والزراعة والتموين بنفس الكفاءة، ولذلك لم يكن من الغريب أن يتم تعيينه مستشارًا لوزير التموين عام 2001، وكان وزير التموين وقتها الدكتور حسن خضر ولكن لم يلبث سوى شهور حتى جاء ما كان ينتظره من مسار تشبث به هو قدر المستطاع، كان يحلم أن يجرب العمل الدبلوماسي وتحقق الحلم.

ويروي «نادر»: «بدأ الأمر بالدكتور حسين بهاء الدين وزير التعليم العالي الأسبق والذي أصدر قرارًا بأن يكون الملحقون الثقافيون في السفارات المصرية أساتذة جامعات بدلًا من الموظفين، وفعلا تم اختياري كملحق ثقافي للسفارة المصرية في الكويت، في الوقت ده الزملاء قالوا لي بلاش هتبقى وزير، أو محافظ في الوقت الجاي، قلت لهم: أنا عاوز أجرب العمل الدبلوماسي وأدرس البروتوكولات الدبلوماسية ومهارات التفاوض».

وصل إلى الكويت لبدء العمل، وكان أول ما أدركه هو غياب النشاط المصري، يروي: «مكنش في أي نشاط والجالية المصرية والعربية غاضبين، إزاي مصر الرائدة في الأدب غائبة هكذا، وكل يوم في فعالية في السفارات العربية زي سوريا ولبنان، وبدأت في عمل خطة لاستدعاء كل رواد الأدب، وأول واحد بدأت به كان أنيس منصور، وسألته: ممكن تيجي تعمل ندوة في الكويت؟، ووافق بلا تردد، وقال: بلا مقابل، وكان بقاله 15 سنة ماعملش أي جولة خارجية، علشان كدة ندوته كانت بحضور هائل، والسفارات العربية كانت توسط سفراء لحضور تلك الندوة، والناس كانت برة السفارة، والصحف صوَّرتهم تحت عنوان "الريادة الثقافية تعود"، وبعدها عملنا ندوات لفاروق شوشة وأحمد عبد المعطي حجازي".

قصة عادل إمام مع نادر نور الدين تُستحق أن تُرْوَى، يتذكر العالم المصري أنه في تلك الفترة أقدمت الكويت على وضع قائمة سوداء لفنانين مصريين زاروا العراق وقت صدام حسين الذي غزا الكويت قبل هذا الوقت بأعوام قليلة، ولأن «نور الدين» الذي ربطته علاقة بالزعيم من خلال شقيق الأول اللواء محمد نور الدين، فإنه يقول: «أنا عارف أن عادل إمام فنان شعب مش فنان حكام، ولما صدام حسين طلب منه عرض "الزعيم" في قصر الحكم رفض، وقال: أنا في المسرح وحضرتك تيجي لي".

ساءني أن يكون عادل إمام على رأس تلك القائمة السوداء، وبدأت في إزالة سوء التفاهم، يكمل: «رُحت لوزير الإعلام الكويتي وقلت لهم: عاوزين نستضيف عادل إمام ورحب جدا، وقالوا: إحنا من كتر حبنا له واخدين على خاطرنا منه، ولو جاء هنعمله أحسن استقبال، وكلمت عادل إمام، ووافق، بس اشترط أن الدعوة تيجي من وزارة الإعلام الكويتية، مش من السفارة المصرية علشان ما يبقاش رايح مفروض عليهم، وفعلا أول ما جاء قال: جئت لأوضح لا لأعتذر، أنا رُحت أقدم فني لشعب العراق المحاصر، وإن الرئيس يحضر فده تكريم ليَّا مش عقوبة".. وزال سوء التفاهم وبدأت صداقة بين أستاذ كلية الزراعة والزعيم.

ومن أهل الفن للسياسة، فمن خلال موقعه في السفارة الكويتية التقى نادر نور الدين الرئيس الأسبق «مبارك» 4 مرات في 3 سنوات، يقول عن تلك اللقاءات: «مبارك كان مهمومًا بالوطن جدًّا.. طول الوقت بيتكلم على الوطن العربي، وسياسته الخارجية ممتازة، هو وعمر سليمان كانا حماة نهر النيل فعلا، ومن الناحية الشخصية كان بيحرص أن كل أعضاء السفارة يكونوا متواجدين في مآدب العشاء».

في عام 2004 انتهت المرحلة الدبلوماسية، وعاد نور الدين مستشارًا لوزير التموين حسن خضر مرة أخرى، واستطاع في تلك الفترة إنجاز موسوعة عالمية عن إنتاج العالم من الغذاء، أما عن التجربة الحكومية فيصفها بقوله: «انك تعرف تتعامل إزاي مع موظفي الدولة وآلية العمل الإداري ده موهبة، وكان في نهاية 2004 تم استدعائي في الجهات الرقابية لصدور قرار تعييني وزيرًا للتموين، وكانت مشكلة مع وزير التموين حسن خضر، وظن أنه طالما له بديل، يبقى هيمشي، وده خلاني أشوف الوزراء عن قرب، والفكر القديم اللي بيعتقد إنه ماينفعش يبقى له بديل".

في تاريخ الرجل 4 ترشيحات لمنصب الوزير وواحد كمحافظ، وكلها لم تتم لأسباب إما منه أو لأسباب سياسية، يقول: « أول ما سافرت الكويت اتصل بي الدكتور يوسف والي وقال لي: تعالَ عاوزك محافظ للبحيرة، وكان وقتها معظم المحافظين زراعيين، ورفضت وقتها بعد جدال كبير علشان رغبتي في خوض العمل الدبلوماسي".

أما أول مرة يترشح لمنصب الوزير، فيقول عنها: «كان ذلك في 2004 واستدعوني بشكل رسمي في الجهات الرقابية وقالوا لي أنت وزير التموين، لكن جاء بقى على المصيلحي لأنه كان على علاقة أسرية مع أحمد نظيف وكانوا مستغربين لأنه ملوش أي خبرة، أما المرة الثانية كانت في وزارة الفريق أحمد شفيق بعد ثورة يناير مباشرة، ورفضت لأني كنت شايف أنها مش هتكمل وأنها وزارة مؤقتة، ومازلت على علاقة طيبة بالرجل".

"أما المرة الثالثة فكانت في وزارة الدكتور عصام شرف واعتذرت عنها، وفي عهد الإخوان تم ترشيحي أيضًا لأنهم كانوا عاوزين يدمجوا الزراعة مع الري بعد قرار تصعيد هشام قنديل رئيسا للوزراء، واللي كلمني وقتها واحد من مكتب خيرت الشاطر، وقال لي عاوزين نضم الزراعة والري، وأنت الوحيد اللي بتفهم في الاتنين وحددوا لي موعدا مع خيرت الشاطر، وأنا رفضت لأن التعامل مع النظم الدينية صعب، واستغربت وقلت: هو مال خيرت الشاطر، فرد عليَّ: يا عم نادر، ما انت عارف مين اللي معين مرسي رئيس جمهورية".

هذا التاريخ الحافل كان مليئًا أيضًا بالأيام الصعبة لكن بعضها لا يمكن نسيانه، حدثان كانا الأبرز في حياة نادر نور الدين، يقول: «أول حدث كان يوم ترقيتي للأستاذية، وكنت وقتها في الكويت، ونزلت لعرض الترقية وتصوري عن برنامج لتطوير المياه، وكانت لجنة التحكيم من عواجيز الري والزراعة، وناقشوني 5 ساعات وهلكوني مناقشات فعليا لحد ما أخدت الأستاذية".

أما الموقف الثاني فيروي: «في 2009 صدر لي قرار بعمادة كلية الزراعة لكن الحزب الوطني تحرك، وقالوا لرئيس الجامعة: الحزب مش عاوز نادر لأن عقله من دماغه ودايما واقف مع الرأي بتاعه، وفي الساعة 9 ونص بالليل تم تغيير القرار".

الرجل الذي استطاع بجانب ذلك كله أن يكوِّن أسرته التي تضم مهندسيْن؛ أحدهما ميكانيكا والآخر معماري، يوجه رسالته للشباب بالتأكيد على أن الحياة ليست سهلة وأنه إذا لم تجد ما تحبه، فأحب ما تجده وأخلص له، لعل فيه الخير".


الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"...
الجريدة الرسمية