رئيس التحرير
عصام كامل

كل مواطن يحسبها الآن: كم سيعطيني السيسي؟


فازت مصر بالتجديد لنفسها في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وبقدر ما هو فوز محقق للمرشح الأعلي حظا والوحيد تقريبا في السباق الانتخابي عبد الفتاح السيسي، بقدر ما يمكن القول إن المصريين اختاروا الاستقرار والطمأنينة وانتظار موسم الحصاد، جنى القطن وجمع القمح وقطف الفراولة وتصدير الغاز.


لم يغامر الــ ٩٧٪؜ من المصريين الذين أعطوا أصواتهم إلى المرشح باختيار المجهول، ففي الذاكرة مرارة من الانسياق الأعمى نحو شعارات عظيمة منطوية على أهداف خبيثة ترفع راياتها طغمة غبية وعميلة وإرهابية، حركت البسطاء والشرفاء وحولت السخط على الفساد إلى حشود فقدت عقلها وبصرها بل وبصيرتها الوطنية في مؤامرة سموها ثورة يوم الخامس والعشرين من يناير عام ٢٠١١.

ومنذ إعلان النتيجة الرسمية الاثنين الماضي، جلس كل مصري على دكة الأحلام، وفتح الآلة الحاسبة على شاشة الموبايل، يحسب كم سيدخل جيبه في الفترة التالية من حكم الرئيس السيسي، موقف مطابق تقريبًا للحالة التي جلس فيها أقاربي وأقاربك على المقاهي في ليالي السخط على مبارك، يحسب كل واحد بالمليم وبالدولار نصيبه من الــ٧٠ مليار دولار التي زعم الأمريكيون عمدًا أن الرئيس الأسبق حسنى مبارك هربها خارج البلاد، وحرم منها شعبه.

تلك بالطبع كانت أكذوبة مقصودة وراءها المخابرات المركزية، لإشاعة مشاعر الغضب وقطع الطريق تماما على أي محاولة لاستعادة الهدوء إلى البلاد.. ما علينا تلك أيام سوداء مضت لكن هبابها لا يزال عالقا بجدران الذاكرة، والشعب تعلم الدرس، وهو في حالة السيسي لا ينتظر دولارات، ولا ريالات، بل ينتظر ثمار الصبر على جراحة عميقة في هيكل ميزانية الأسرة المصرية، وهو حين يستبد به الضجر ويضج صدره بالشكوى يستعين على نفسه بأرقام مبشرة من وقف فاتورة استيراد الغاز، ومن حقول جديدة تحت الاستكشاف في البحر الأحمر ومن وقف الصرف على معظم المشروعات القومية التي انتهت واكتملت بالفعل.

هناك إذن تطلعات متصاعدة، غذتها حملات المرشح عبد الفتاح السيسي، بوعود عن بدء موسم جنى الثمار، وأن التركيز سوف يكون على البشر قبل الحجر، لا أشك لحظة في أن الرئيس السيسي سوف يفي بوعوده، فهو لم يخدع ولم يكذب ولم يضلل، بل حقق وأنجز، لكن من الواجب ألا نترك توقعات الناس تحلق بين المجرات، يحسبون أن مصر تحولت إلى دولة خليجية عائمة على ثروات غازية نفطية بلا حساب.

من شأن السكوت السياسي والإعلامي على نمو التطلعات بلا مراجعات واقعية، أن تتضخم، وتتحول إلى حركة في الشارع، عند أقل إحساس لدى الناس بأن هناك إبطاءً أو تاجيلا أو تقليلا من المطلوب، ولسوف تستغل جماعات الخراب والعمالة، أي فجوة أو فراغ لتملأ صدور الناس بالشكوك والهواجس.

أتصور أن كل هذه الاعتبارات قيد الدرس والتحسب، وأن الفترة التالية سوف يقدم الإعلام وإعلام الحكومة بالذات، بيانًا بالمتاح من أموال، فيه ما نحتاجه وفيه ما نصرفه وفيه ما سنوفره للناس، على طريقة رب البيت الذي يريد احتواء طموحات بعض أهله وشباب العائلة.

في كل الأحوال، فإن القادم هو أفضل مما جرى بالفعل، بعد أن اجتزنا أطواق النيران، لكن ما أحذر منه هو ترك الخيال الأعمى، يرعى بتوقعات دونها قدرة الدولة على إشباعها.
الجريدة الرسمية