العراق.. الكرادة تنفض غبار «الموت» وتعود زاهية إلى الحياة
أطلق شباب -من أهالي ضحايا تفجير إرهابي راح ضحيته نحو 600 قتيل وجريح في حيّ الكرادة وسط بغداد- مبادرة تطوعية، لإعادة الحياة إلى منطقتهم، بعدما تحولت إلى "منطقة للموت".DW عربية حضَرت مهرجانهم: (من الكرادة.. أختار الحياة).
مجموعة من الشبيبة قرروا لملمة جراحهم، واستبدال إيقاد شموع الحزن، بباقة من الأمل والابتسامات التي زُرعت على وجوه العوائل المشاركة في مهرجانهم، الذي أقيم في منطقة فُجعت بتكرار الموت، إلا أنها ما زالت تختار الحياة.
"نحن مجبولون على الحياة. ولدنا في مدينة لا تعرف سوى المحبة والبهجة ولا تجد فيها إلا ذا وجه رحب. لذلك كنا وما زلنا نختار الحياة"، يقول الشاب حسين الهاشمي، (25 عاما)، في حديثه لـ (DW) عربية، ويبين أنه "الانكسار الكبير الذي أحسستُ به، عندما فقدتُ 25 فردًا من أقربائي وأصدقائي في يوم واحد، كان يومًا مظلمًا بحق، جعلني أشعر بفقدان معنى الحياة (...) استمر هذا الإحساس معي لما بعد الأربعين يومًا التي تلت فاجعة الكرادة".
تحولت منطقة الكرادة وسط العاصمة العراقية بغداد، بعد أن سقط فيها زهاء 600 مدنيا بين قتيل وجريح، بانفجار سيارة ملغمة عام 2016، إلى ما يشبه منطقة محظورة، خاصة بعدما أغلقت جميع شوارعها بالحواجز الأسمنتية لعدة أشهر تلت ذلك، بعدما كانت منطقة تجارية تعج بالمتسوقين المدنيين.
من مبادرة فردية إلى مهرجان جماهيري
ويوضح الهاشمي، وهو المنسق لمهرجان (من الكرادة.. أختار الحياة)، أنه "في العام الأول تبلورت فكرة مبادرة المهرجان، إلا أنها كانت تقتصر على التفاعل في مواقع التواصل الاجتماعي تحت وسم (#من_الكرادة #اختار_الحياة).
وعبر عن هذا التفاعل بعدد من الطرق والفعاليات الفردية من قبل أهالي الكرادة وأصدقائهم"، مستطردًا بالحديث: "في العام الحالي وبعدما حققت قواتنا النصر الكبير على تنظيم داعش الإرهابي -الذي كان قد تبنى تفجير الكرادة عام 2016- حولنا المبادرة إلى مهرجان جماهيري، حظي بمشاركة المئات من المواطنين، والعشرات من المتطوعين، فضلا عن رعاية عدد من المؤسسات الحكومية".
ويضيف الهاشمي أن "المهرجان بالإضافة إلى فعالياته الاحتفالية، تضمن حملة تخفيض أسعار البضائع في جميع محال منطقة الكرادة بنسبة كبيرة وصلت في بعض المحال إلى الـ (50%)، ويتابع الهاشمي أن "أهالي الكرادة لن يستسلموا للإرهاب، ولن يختاروا إلا الحياة، كما عهدهم الجميع، بأنهم مدنيون ويحبون الحياة".
فعاليات متنوعة، تخللها المهرجان، كان في مقدمتها قصائد الشعر التي تشارك فيها التفاخر بالنصر على الإرهاب، مع الغزل، ليعلن الشعراء بذلك، أن الحب في هذه المدينة لن توقفه "الملغمات"، ولن يتعثر بـ"عبوة ناسفة" على الطريق.
المهرجان لن ينتهي!
مدير المركز الوطني للعمل التطوعي في العراق مصطفى الشاوي، هو الآخر، تحدث لـ DW عربية، معلقًا على المهرجان بأن "أسمى الأهداف في مسيرة الإنسان، هو الهدف الذي يسعى من خلاله إلى صناعة السعادة للآخرين، والأخذ بأيديهم إلى جادة الأمل وتحقيقه"، مبينا أن الفرق التطوعية عملت على تنظيم عدد من الفعاليات خلال السنتين اللتين أعقبتا الفاجعة في الكرادة، كانت جميعا تهدف إلى إعادة نبض الحياة لهذه المدينة التي اعتدنا أن نراها جميلة وزاهية بمظاهر الحياة".
ويضيف الشاوي أن المهرجان لن ينتهي بانتهاء فعالياته، بل إنه سيستمر، لما تركه من بصمة واضحة في المدينة، إذ يلاحظ أن عددا من المحال التجارية بدأت تتجه نحو الإبقاء على تخفيض أسعار بضائعها.
الشرطة المجتمعية لم تحضر إلى المهرجان هذه المرة من أجل تأمينه فقط، بل إن عددًا من أفرادها قدموا للمشاركين عرضًا لألعاب خفة اليد، ألهب حماس الجمهور وزاد من حرارة التصفيق، وتعالت الضحكات وازدادت البهجة لدى العوائل وأطفالهم الذين اصطحبوهم إلى المهرجان.
مقهى لا تغلق أبوابها أبدًا!
أما حيدر القيسي، صاحب مقهى (آرادن) في الكرادة، فقد سبق المهرجان بأن أعلن فتح المقهى لـ(24) ساعة في اليوم، أمام الزبائن، من دون إغلاق أبدًا، وهي خطوة قال القيسي، لـ DW عربية، أنه يسعى من خلالها للمساهمة في "إعادة الحياة للمنطقة التي أحبها، الكرادة".
ويشير القيسي إلى أن المقهى في أول أيام الإعلان عن أوقات العمل الجديدة فيه، كان يمثل مفاجأة لجميع من يمر في وقت متأخر من الليل، بالقرب منه، حتى يدخل يحتسي شايًا فيقرأ الإعلان عن الأوقات، ويبدي لنا الثناء ويتفاعل مع الأمر بابتسامة، هي جل ما أرغب برؤيته على وجوه أهالي الكرادة والمارين فيها".
المهرجان الذي تنوعت فعالياته، بين قراءة الشعر الشعبي، وعروض خفة اليد، تضمن كذلك فعاليات خاصة للاحتفال برفع الحظر الدولي عن الملاعب العراقية.
هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل