كفاية بناء المولات التجارية!
المستثمر الإماراتي "على الشرفا الحمادي" عاشق لمصر مثل كثير من الإخوة الإماراتين، رغم أنني لم ألتق به ولكن عرفته من خلال مقالاته عن مصر وشعبها، فهو أيضا كاتب وأديب ومع قلمه تشعر بأنه أكثر حبا لبلدنا من كثيرين ممن يحملون جنسيتها، أرسلت له سؤالا "لماذا معظم الاستثمارات العربية في مصر في بناء المولات والعقارات؟ أين هي من الإنتاج والصناعة؟"، وكانت إجابته هي:
"أستاذنا الفاضل لابد أن تعد الدولة المصرية إستراتيجية للأمن الغذائي كمانع للدفاع عن الوطن، ويجب التوقف فورا عن بناء المولات، فليس فيها إضافة للمواطن، بل التشجيع على زراعة المنتجات الخاصة بالغذاء، وأهمها القمح والذرة مادتان أساسيتان تؤمن الغذاء، وتخفف الاعتماد على الدولار للاستيراد، وتستوعب عمالة كبيرة، حتى لا تحتاج مصر لاستيراد الغذاء، وحتى لا يوظف سياسيا لتحقيق مصالح الأعداء.
وقد سبق وأعددت دراسة من أجل تأمين الغذاء وحل مشكلة العشوائيات على أساس(القرية المصرية المنتجة)، حيث كل قرية توفر ٢٠٠٠ فرصة عمل، وتستوعب ٢٥٠٠ أسرة ، ودخل الأسرة شهريا لن يقل عن ٢٥٠٠ جنيه في الشهر، (سأرسل لك الدراسة)، ومنذ سنة ٢٠١١ وخلال السنوات الستة الماضية تم إرسال المشروع لأصحاب القرار في الحكومة المصرية دون جواب أو استفسار بدءا من رئيس المجلس العسكري ورؤساء الوزارات، والله أدعو أن يكون في عون الدولة المصرية."
إلى هنا انتهت رسالة المستثمر الإماراتي، وما فيها من أفكار قيمة، وخاصة القرية المنتجة التي طالما سمعنا عنها كثيرا في الماضي، وكانت مجرد شعار وكلام نظري دون تنفيذ، بل بالعكس القرية المصرية حاليا أصبحت مستهلكة وعبئا على الدولة، والفلاح يعاني أشد معاناة وأبناؤه إما في طابور البطالة أو الهجرة غير الشرعية ثم الموت غرقا في البحر.
عودة إلى موضوع المولات يجب أن تتوقف لأنها أولا استلاكية لا تضيف أي قيمة للناتج القومي، كما أنها تستنزف مدخرات المواطنين، فمعظم المستثمرين يحصلون على الأرض من الدولة، وقروض من البنوك بضمانها ثم بيعها للمواطنين، وتحويل أموالهم للخارج، وهي عكس تماما هدف الاستثمار الذي يقوم على جلب الأموال من الخارج للداخل، والمولات التجارية في مصر أصبحت أكثر من المصانع والمزارع، بل الكارثة هي تدمير أراض زراعية من أجل بنائها.
كان هدف التوسع في إنشاء المولات التجارية هو السيطرة على الأسعار والبيع بسعر الجملة، تخفيفا على المواطنين، ولكن هذا الهدف انتهى تماما، نظرا لارتفاع قيمة الأرض والمباني والإيجارات والضرائب والكهرباء والتأمينات وخلافه، كل هذا يُضاف على ثمن السلع، وبالتالي ارتفعت أسعارها، وأصبح الشراء من المولات أغلى، والمواطنون يترددون عليها للفرجة والنزهة فقط، ومعظم محلاتها أُغلقت، بالإضافة إلى أنها تسبب أزمات مرورية وازدحاما يكلف الدولة الكثير.
أي مستثمر في الدنيا يسعى إلى تحقيق أرباح، والطريق الأسهل والأسرع لذلك هو بناء مراكز تجارية أو عقارات وبيعها، وتحويل أمواله للخارج، والأصعب هو الصناعة والزراعة والإنتاج، وهنا يبرز دور الدولة في توجيه المستثمرين للمشروعات الإنتاجية، خاصة بعد أن أصبح لدينا خريطة استثمارية تتوافر فيها 1000 فرصة بالمشروعات التي تحتاجها مصر في كل المجالات وموزعة على كل المحافظات.
أتمنى أن يتحول فكر الدولة والمواطن من الاستهلاك إلى الإنتاج، ويسهم في ذلك التعليم والإعلام والثقافة وكل مؤسساتنا بالتوعية ونشر ثقافة العمل والإنتاج في المجتمع.