الأوامر المنسية من القرآن! ( 2 )
ونستكمل في مقال يوم الجمعة البحث في القرآن الكريم عن الأوامر التي تراجع اهتمام المسلمين بها رغم أنها أوامر ربانية صريحة ومباشرة ولا تحتمل التأويل، وهي أغلبها أو حتى كلها تنظم علاقات الناس ببعضهم، وسلوك عباد الله مع غيرهم، في حين انكفأ الناس على الاهتمام بالأوامر التي تنظم علاقات الناس برب العالمين مثل "وأقيموا الصلاة" و"كتب عليكم الصيام"!
ونجد قوله تعالى في الآية رقم 8 من سورة المائدة "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى"، وبمجرد المطالعة يجد أصغر مسلم ثلاثة أوامر في الآية السابقة وهي "كونوا قوامين لله" و"شهداء بالقسط" و"لا يجرمنكم شنآن قوم"، لكنها تكمل بعضها في موضوع واحد اتفق كل المفسرون على أنها تأمر بالعدل في الأحكام وعدم التجاوز في حقوق الغير، وحتى الوصول إلى "لا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا"، إذ نعتبرها ذروة الأمر الإلهي كله..
إذ وقبل أن نكتب هذا المقال قررنا أن نتحدث عن الأمر الإلهي في الآية الكريمة "ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين"، لكن وجدناه أمرًا ينظم علاقة المسلمين بأعدائهم عند الحرب، أما الأمر الإلهي في "لا يجرمنكم" يتحدث عن العدل في الحكم على الأعداء عما نقدر عليهم، ويكون للمسلمين سلطة الحكم وخضوع الأعداء له..
ومعنى شنآن هو البغضاء أو الكراهية، ومعنى لا يجرمنكم أي لا يحملكم، أي لا يدفعكم، وليكون المعنى مكتملا هو "لا تدفعكم الكراهية إلى عدم العدل.. والعدل هو أقرب لكم يا مسلمين للتقوى والإيمان"..
وخلاصة الآية كلها بأوامرها الثلاثة لنقف ونقول: إن كانت هذه أوامر القرآن مع الأعداء.. كيف تكون أوامره إذن مع غير الأعداء، سواء من المسلمين أو غير المسلمين من أبناء الوطن؟ وهل العدل في الأحكام تعني فقط أحكام القتال والقصاص وغيرها من الأحكام العنيفة الخشنة؟
نقول إن الآية تتحدث عن العدل عامة، وهذا يعني أن الظلم في تصحيح أوراق الطلبة أو تقييم الموظفين ومجاملة المحاسيب ونقل البعض ظلما لمرءوسيهم من أجل مجاملة آخر، أو خصم المكافآت لأسباب غير موضوعية ولا علاقة لها بالعمل، أو تفضيل البعض في المنح والبعثات أو للإعارات، وطبعًا الاختيار في تعيين الأوائل في الجامعات للعمل بالتدريس الجامعي وغيرها وغيرها، كلها تخضع وطبقًا لقاعدة "من باب أولى" للأوامر المذكورة في الآية الكريمة!
كم ملتزمًا بتعاليم القرآن اليوم؟ كم جائرًا في حكمه على الناس لأسباب شخصية أو لمصالح له لا يتقي بسببها أوامر الإله الحكيم العظيم؟ وكيف سيكون حال مجتمعنا إن التزمنا بالأوامر المنسية بالقرآن الكريم؟ وللحديث بقية..