رئيس التحرير
عصام كامل

أطفال سوريا المنسيون في مخيمات اللجوء بلبنان

فيتو

في لبنان ينمو جيل من أطفال اللاجئين السوريين بدون هوية ولا تعليم، لآباء ينتابهم القلق؛ لأنه لا نهاية للحرب بعد سبع سنوات من الاقتتال.

فبالكاد يمكن رؤية الأنوار التي تشق ضباب الصباح في الطريق من بيروت إلى سهل البقاع، حيث تظهر فجأة مخيمات اللاجئين السوريين، وتصطف الخيم بالمئات على طول الطرق الرئيسية مغطاة بأقمشة النايلون التابعة لهيئة إغاثة اللاجئين، وتبعد الحرب في سوريا وأعمال القصف في الغوطة الشرقية بضعة كيلومترات فقط.

ورغم أن البلد المجاور الذي تسوده الحرب قريب، فإن السوريين في لبنان يشعرون على الأقل بالأمان من العنف، وهم لا يرون مستقبلا لهم هناك، لاسيما لأطفالهم.

في مخيم اللاجئين الصغير في بر إلياس تعيش في المجموع تسع عائلات في أكواخ على أرض تصبح مبللة في الشتاء وتتحول إلى مستنقع، ولا يمكن تدفئتها إلا بصعوبة، وفي الصيف لا يمكن تحملها بسبب الحرارة، "الطقس يتحسن ببطء"، كما تقول أمينة ملحم.

وتضيف: "هنا في المخيم كان الجميع مريضًا في الأسابيع الماضية"، وتجلس هي واثنان من أطفالها الستة حول فرن صغير داخل الخيمة التي تجلس وتنام فيها العائلة، وفي الخارج يجري أطفال بأحذية بلاستيكية متهالكة في الوحل، ودرجات الحرارة لا تتعدى 12 درجة في هذا اليوم.

هروب من حمص
النسبة الأكبر من السكان هي من الأطفال تتراوح أعمارهم بين سنتين و17 عامًا وقول خالد الأحمد 15 عامًا، أتذكر جيدًا بلدتي الصغيرة- القصير، كنت في الفصل الثالث عندما وجب علينا المغادرة بسرعة.

القصير هي بلدة صغيرة بالقرب من حمص التي كانت معقل المتمردين، إلا أن قنابل نظام الأسد دمرت أجزاءً كبيرة في المدينة والمنطقة، وفي 2012 هربت والدة خالد ووالدة مدين وإخوته وأبناء عمه إلى لبنان، عائلة الأحمد كانت تعيش في الماضي حياة رغدة في سوريا، حيث كان لهم بيت ودخل شهري، واليوم يقتسمون بمجموع أحد عشر شخصًا خيمة واحدة لأن أطفال شقيق مدين أيتام ويعيشون عند عمهم، ويقول خالد: "كنت على الأقل أقدر على الكتابة والقراءة عندما وصلنا إلى هنا"، وهو يتفوق في هذا على كثير من الأطفال وإخوته.

مدرسة داخل خيمة
من أجل أن يتعلم الأطفال القراءة والكتابة وألا ينسوا ذلك، أنشأ مدين الأحمد بمبادرة شخصية في 2016 مدرسة داخل خيمة يتلقى فيها يوميًا بين 60 و70 طفلا من عدة مخيمات الدروس من معلمين سوريين متطوعين، والفصول الدراسية مقسمة حسب مستوى المعرفة، وليس السن، لكن لا توجد شهادات في آخر الفصل.

وبدعم مالي من منظمات صغيرة تشكلت في ثكنة مجاورة ثلاثة فصول وغرفة عمل، وفي البداية كانت تلك الحجرات جرداء، فالسجاد يعوض الكراسي، والأغطية البلاستيكية تعوض النوافذ، واليوم تبدو الحجرات مختلفة، فالجدران بها رسوم ملونة وتوجد الكراسي لجميع الأطفال تقريبًا، إلا أن الحجرات تعاني تسرب مياه الأمطار، وبالتالي وجب اليوم التخلي عن الدرس "حتى ولو أن الألوان على الجدران حسنت من أجواء التعليم"، كما يقول المعلم موفق ملحم الذي أضاف: "الوضع النفسي للأطفال تدهور، فالكثير من الأطفال ليس لديهم هوية ولا جوازات ولا تعليم".

ويفيد أن الآباء مجبرون على العمل طويلا، ويتركون الأطفال وحدهم، ولا يمكن الحديث عن أجواء شخصية في المخيم، لكن يجب النضال من أجل تفادي خُسران أجيال من الأطفال.

قلق من المستقبل
وحتى خالد ليس في وضع جيد، وهو يحاول إخفاء ذلك، لأنه لا يريد خلق المزيد من المتاعب لأبويه، إلا أنه يقول منفعلا: "أريد مستقبلا مهنيًا، أرغب في أن أصبح يومًا مهندس تصميم".

ويحمل خالد حاسوبًا محمولا ويشاهد مقاطع على يوتيوب لتعلم تعديل الصور، وسبق له أن أخذ بعض الصور بهاتفه الذكي، وسجل فيديوهات، إلا أنه لا يملك قناة يوتيوب خاصة بسبب ضعف التيار الكهربائي والإنترنيت. وفي مخيم مجاور يلعب أحيانا الكرة في حقل لا يتم استغلاله زراعيا. ويقول:" ريـال مدريد هو فريقي المفضل"، وتظهر الابتسامة لأول مرة على شفتيه.

إبعاد الأطفال عن العمل
وبخلاف الكثير من الآباء تمنع عائلة الأحمد أطفالها من العمل، فغالبا ما نلتقي أطفالا في الثامنة يعملون في حقول، ونسمع بأن آخرين يتم استغلالهم في بيع المخدرات، وليس جميع الآباء لهم معاملة مرنة مع موضوع التعليم، ويقول علاء الزيبق من منظمة "بسمة وزيتونة" بأن الكثير من "الآباء ينقصهم الوعي بأن التعليم هو مفتاح المستقبل"، وبسمة تعني الابتسامة والزيتونة هي رمز الغذاء والسلام.

ويتابع: "إن مفتاح السلام هو التعليم، إلا أن بعض الآباء الذين يدفعون 50 دولارًا لوسائل النقل في الشهر كي يقدر أبناؤهم على زيارة المدرسة، يفكرون مليًا في الأمر".

مستقبل سوريا
ويتساءل علاء الزيبق الذي فر قبل خمس سنوات من الغوطة الشرقية: "من سيبني سوريا إذا لم يحصل الشباب على التعليم". ويقول علاء البالغ من العمر اليوم 31 عامًا: "كنت قد أنهيت دراستي في سوريا عندما تفجر كل شيء، لكن إذا رجع هؤلاء الأطفال يومًا ما بدون تعليم، فإنهم يمثلون أرضية خصبة للمتطرفين".

ونظرة السياسيين اللبنانيين إلى موضوع اللاجئين تبقى أيضًا مصحوبة بالقضايا الأمنية، فهم يخشون أن يتم تجنيد الشباب الذين لم يتلقوا تعليم في لبنان من قبل متطرفين، إلا أن دولة لبنان ليس قادرة لوحدها على فعل شيء ضد ذلك، فالاقتصاد في وضع متدهور، والماء والكهرباء معطلان، وتفيد إحصائيات الأمم المتحدة أن أكثر من 1.1 مليون شخص من البلد المجاور يبحثون عن الحماية في لبنان، إلا أن التقديرات تشير إلى وجود مليوني سوري في لبنان، ورغم البنا التحتية المجهدة كانت السلطات اللبنانية على الأقل في بداية الحرب السورية تعمل جاهدة لضمان التعليم للأطفال.

ويقول علاء الزيبق: "الضغط قوي للغاية على المجتمعين، وفي الأثناء يعيش هنا في بر إلياس 50 ألف لبناني و70 ألف سوري، وهنا تظهر مشكلات، لكن الوضع يبقى أفضل من أي مكان آخر".

وتفيد منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن 500.000 طفل في سن الدراسة موجودون في البلاد ونصفهم لا يذهب إلى المدرسة ولا يقدر على الكتابة والقراءة والحساب.

وبإمكان خالد الأحمد أن يزور منذ مدة قصيرة مدرسة لبنانية. وهو يتنقل على متن حافلة، لأن المدرسة تبعد بسبعة كيلومترات، وتُنظم فصول مدرسية خاصة بالسوريين بعد الظهيرة. وهو مسرور لحصوله في النهاية على شهادة، إلا أنه يعلم أنه من الصعب تمويل دراسة في هندسة التصميم، لأن العائلة لا تملك المال اللازم.

حياة في كرامة
وخالد هو فقط واحد من بين طفلين من المخيم اللذين يترددان على مدرسة حقيقية، وتقول والدته أمينة بأنها مستعدة لتحمل كل المتاعب، العيش بلا مأوى حقيقي والشعور بعدم الأمان، إلا أنها تقلق على مستقبل أبنائها، وتبدو ملامح اليأس على وجه هذه السيدة الخجولة.

خالد وعائلته لا يرغبون في مغادرة لبنان من أجل الذهاب إلى أوروبا، فهم يريدون البقاء قرب وطنهم سوريا، وحتى المعلم موفق ملحم يقول: "نحن لن نتعود أبدا على العيش داخل خيمة، لكن هذا أفضل من التعرض للقصف بالقنابل، نحن لا نريد أن نكون عالة على أحد، فجميع الفرقاء يجب أن ينهوا الحرب"، والحرب في سوريا تدخل الآن سنتها الثامنة.

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


الجريدة الرسمية