رئيس التحرير
عصام كامل

«في يدي مسبحة زرقاء» قصة لـ«شيماء عبد الناصر»

شيماء عبد الناصر
شيماء عبد الناصر

حملني الجو الرطيب صباحا أن أقف في البلكونة طوال ساعة استنشق الصباح، درامية احتضان الشمس البرتقالية للسماء تذكرني بيوم بعيد في الذاكرة، أسميته "يوم المسبحة الزرقاء".

ذهبت مع جدتي إلى الحقل وكنت طفلة، كان جدي معنا بالطبع لكن وجوده كان رمزيا أكثر، هو الرجل ولا بد أن يكون معنا رجل- لهذا السبب فقط هو معنا- لكن الوجود الحقيقي كان لجدتي، يصفها أبي دائما بـ"الجبارة"، لكني أرها طيبة وحنون، مسبحة جدي الزرقاء كانت تشبه سماء بعيدة، بعيدة بالمعنى الحرفي للكلمة، طالما تمنيت أن أمسك بيدي مسبحة وأقول كلامًا يتمتم به جدي، لم أكن أعرفه لأني كنت صغيرة، لكن عندما كبرت عرفت أن المسبحة الزرقاء تحتوي 33 حبة زرقاء صغيرة معقودة معا "لسبحان الله والحمد لله والله أكبر".

كانت جدتي ترأس العمال وتقف بينهم كرجل منهم، تقود الجمع بحزم وحنكة وكنت طوال الوقت أشعر بالنعاس والرغبة الشديدة في لمس المسبحة.

جدي منطقة خطرة والاقتراب منها محفوف بصراخ في وجهي وسباب وشتائم لا تخلو من غضبه مني لكوني "بنت"، أولاد جدي الذكور ماتوا جميعا وهم صغار، كانت جدتي تهتم بهم، ولا تُهملهم أبدا، هو لا يقسو عليها، لكنه كان يتمنى أن يتزوج بأخرى، يعيش أبناؤها من الذكور، لذلك أجدني أتجنبه، لكن جرأة ما داهمتني ذلك اليوم واقتربت من المسبحة وصعقت عندما لمستها، فحباتها ناعمة كالحرير.

نظرت للمسبحة بين يدي كما ينظر فارس منتصر لسيفه الذي جلب له النصر بين يديه، نظرت للشمس التي اصفرّ لونها ولسمائها الزرقاء، بين يدي مسبحة زرقاء أصبحت لي منذ هذا اليوم وإلي الآن، لم اهتم يومها بالجسد المتكوم تحت نخلة وكان يودع الدنيا بنظرة إلى اللاشيء.

احتفظ بمسبحتي، لا استعملها أبدا، بين حباتها صراخ جدي وسبه، لم أشعر بطعم التسبيح إلا حينما أخفيتها داخل درج صغير بعيد، أخرجها فقط حينما ينهرني أحدهم، لأني بنت.
الجريدة الرسمية