شعب لا تحركه إلا مصيبة أو غرامة!
علينا الاعتراف بالمرض إذا كنا نريد العلاج الحقيقي ثم الشفاء، أما المكابرة والعناد والخوف من مواجهة المصيبة المتفشية في جسد الأمة المصرية فلم يكن لها جميعًا من عواقب سوى العقاب العام الذي وقع لمصر في جريمة كبرى اسمها ثورة الخامس والعشرين من يناير قبل سبع سنوات، على يد شعب غير الشعب وشباب غير الشباب وكبار أقعدهم الكسل عن مواجهة حملة التخريب!
نعرف أننا مرضى منذ ذلك اليوم البغيض، وحاولنا العلاج الكاسح بالنزول في الثلاثين من يونيو، لكن سرعان ما عدنا إلى الداء المقيت، نحن مصابون بمرض الترهل السياسي، وعند المصيبة نتحول بغتة إلى الحزق السياسي، ونسارع إلى المنصات في الشوارع وفي الفضائيات إلى محللين سياسيين وخبراء استراتيجيين.
حتى الدولة نفسها كانت راكدة في الخل والعسل معًا، فلم تنتبه إلى هذا الداء المزمن، وخرجت تحذر الناس بعد فوات الأوان من غرامة قدرها خمسمائة جنيه لكل متقاعس بدون عذر عن النزول إلى صناديق الاقتراع.. سبقت هذا التحذير حملات توعية وتحفيز واستفزاز للشعور الوطني، ولم يأت أحد قط بأي سيرة للعقوبة الدستورية، ولما لاحظ المسئولون استرخاء في الناس، تذكروا أن هناك نصًا عقابيًا.. تذكروا متأخرين.
النص العقابي ينبغي أن يكون مشرعًا وقابلا للتطبيق وحاضرًا على طول المراحل التصويتية، وليس خاضعًا لأجواء انتقائية وفق الحالة المزاجية.. المعروف أن الطبيعة البشرية تنزع عمومًا إلى اللذة بأقل مجهود، وتستهدف المنفعة بأقل تكلفة، وفي ذلك نتفوق كمصريين، فمادام أحدهم يعمل فليطفح الدم، ثم نجلس نحن نحاسبه ونجرمه ونعاقبه، أو نسرق جهده ونجاحه وننسبه إلى أنفسنا، أو نسخر منه، أو نتقصى في عمله النقائص، فإن لم نجدها اخترعناها!
الشعب كسول في ممارسة حقوقه السياسية، ومهما استجديتم نزوله، فإنه ركن رأسه على حائط السلبية، وبرر كسله بأن المرشح عبد الفتاح السيسي ناجح، أو أن العملية تخلو من منافسة، أو أنه غير مقتنع.. المبرر الأخير للأسف الشديد هو حجة قطاع عريض من الشباب.. وهنا يكمن الفيروس الآخر.. فالكبار لم يتحركوا إلا بعد ضياع البلد فأنقذوه بتضحيات الجيش والشرطة، ثم عادوا إلى الكنبات واستسلموا، هم تحركوا مع المصيبة في حدها الأقصى، وها هم يهرولون درءًا للغرامة في حدها الأقصى أيضًا.
أما أبناؤنا فلم تحركهم المصيبة لدفعها، بل للأسى وللأسف لسكب البنزين فيها وعليها، فكانوا جزءًا من الحريق، ومطعمين له بالمشاركة، عمدًا أو جهلا! وهم لا يهمهم غرامة لأنهم لن يدفعوا بل سيدفع آباؤهم! لماذا فعل الأبناء بنا وبوطنهم هذا العمل الآثم؟
فتش عن جريمة التعليم متعدد المنابع والثقافات والذقون.. وتلك تحتاج التواصل الأسبوع المقبل نناقشها من جوانبها كافة.