رئيس التحرير
عصام كامل

حتما سوف تمضي!


لاشك أن كل فترة نعيشها في الحياة هي حقيقة تقع بين قوسين، كإطار للتمييز بين ما قبلها وما بعدها، ومهما بلغت أحداث تلك الفترة من فرح وسعادة أو حزن وهم، فهي حتما سوف تمضي مهما طالت، وستنتهي أحداثها بقوس النهاية، فلا فرح يدوم ولا حزن يستمر، والاعتدال في التعبير عن كليهما بالقبول والتمسك بكل ما يفرحنا، أو الرفض لكل ما يحزننا، ضرورة تفرض نفسها على كل عاقل حكيم، فكم من ذليل أصبح عزيزا وكم من عزيز أصبح ذليلا، فكل شيء عند الله مكتوب، ولا أحد منا يعلم الغيب!


ولأن أحداث الحياة في العالم أصبحت صعبة بل شاذة في كثير من الأحيان، سيطرت على مجرياتها عقول وقلوب في حالة عبادة لما تحب، وتتبع شهواتها أينما ذهبت، يمكن التحكم فيها بسهولة باستغلال علتها وجهلها وسطحيتها، وما يترتب على ذلك من أنا ونرجسية تسير بثقة في اتجاه الجهل والفقر، وما أخطرهما، عندما يسكن الفرح نخبة من المنتفعين أصحاب المصالح، في وقت بات الحزن يجد في قلوب الآخرين سكنا آمنا، والاكتئاب يري في عقولهم ملاذا مستقرا، وما أدراك عندما يسيطر الحزن والاكتئاب على قلب وعقل، فهي بداية النهاية، بل الطريق السريع القصير إليها.

والشاهد أن التغيير هو الثابت الوحيد في الحياة، وثبات الحال من المحال، وهو المشهد الذي يجب أن يكون دافعا لكل إنسان عاقل حكيم، أن يتحلي بالصبر والإيمان والرضا والأمل والثقة بالله، إذا كان يمر بظروف صعبة خاصة بالرزق، وهو الرزق بمعناه الشامل والذي لا يعني المال فقط، فالصحة رزق، والعمل رزق، والسلطة والسلطان رزق، والغني عن الناس رزق، والزوجة الصالحة والزوج الصالح رزق، والأولاد رزق، وحسن تربيتهم وحفظ الله لهم رزق، وطاعة الله وحسن عبادته رزق، والوطن الآمن رزق، والصحبة الطيبة رزق، والتعليم الجيد رزق، والمدير العادل رزق، وشعور المالك في وطنه رزق، والعدل رزق، والحريّة رزق، وحق الإنسان في معاملة طيبة رزق، والستر رزق، والصبر على غياب أي مما ذكرته أو غيره أعلي درجات الرزق، لأنه أمر الله، وأمر الله أحق أن يتبع.

وبنفس المنطق ثبات الرزق لا يعلمه إلا الله، وكثيرا ما يكون الرزق اختبار وابتلاء، ينجح فيه من يعتقد بحق أن الرزق من عند الله العاطي الوهّاب، وهو نعمة من الله، وزوال النعمة وارد في أي لحظة، ويكون مستعدا للحظة غلق القوس في أي وقت.. هذه الفلسفة الغائبة هي السبب الرئيسي لمعظم مصائب الحياة التي نعيشها، فحين يرتبط كل مسئول بكرسي السلطة على أي مستوى صغيرا أو كبيرا، يصبح استعداده لترك المنصب غائبا وتسير كل الوسائل للحفاظ على كرسي السلطة مبررة أي إن كانت..

وعلي هذا القياس التمسك بأي رزق ذكرته سلفا يحول حب الرزق إلى عباد،ة والفرق بين هذا وذاك كالفرق بين الليل والنهار، ومن يصبح أسيرا في عبادة ما يحبه من رزق، يخفق في الاختبار الكبير، ويتسبب في كوارث لكل من هو في محيطه!

من هنا وفقط علينا أن ندفع عقولنا وقلوبنا نحو قبول ما هو من عند الله، سواء أحببناه أو لم نحبه، وهو ما يدفع دائما نحو التصديق بأن الخير من عند الله صاحب الفضل والعطاء، ولا يوجد مبرر لنفاق أو تملق أو تزييف أو خداع للحصول على نعمة أو الاحتفاظ بها، فأنت لا تعلم إن كانت لك خيرا أم شرا، فلا أحد يملك شيئا في خير أوتيتم إلا الله، هو وحده له الحمد والشكر والركوع والسجود وكل شيء عنده بمقدار.
الجريدة الرسمية