كواليس الإعلام وأقنعته
آثار الفيديو المسرب للحوار بين محللي قناة "أون سبورت" سخط الناس بعدما سمعوا ألفاظًا كانوا يظنون أنها لا تصدر عن نجوم كبار في كرة القدم وأن هؤلاء النجوم يترفعون عن مثل هذه اللغة.. لم أستغرب اللغة التي تحدث بها هؤلاء النجوم، فالإعلام – بعد إزالة الأقنعة السياسية والاجتماعية– هو مرآة المجتمع.
وأود أن أركز هذا الأسبوع على كواليس الإعلام وأقنعته.. فالكثير مما تشاهده على الشاشة ومما تقرأه في الصحف يمر بمراحل تصفية متعددة.. ففي قطاع الأخبار مثلًا، يطلب فريق الأخبار من المراسلين، المذيعين التركيز على معلومات محددة.. والأمثلة على ذلك كثيرة وأشهرها من قناة "فوكس الإخبارية".
فأثناء الانتخابات الأمريكية بين "جورش بوش" و"كيري" كان المطلوب أن يركز فريق الإعداد على شخصية "كيري" المتقلبة والتي تنتقل من الموقف إلى عكسه.. كما أن مديري القناة طلبوا بشكل صريح أن يبحثوا عن كل ما من شأنه التقليل من بعض رموز الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه "كيري"، مثل السياسي "جيسي جاكسون" الذي صدرت توجيهات صريحة بحقه تطلب من فريق الإعداد البحث عن كل ما من شأنه الحط من تصريحاته.
وأثناء غزو العراق عام ٢٠٠٣ من قبل الولايات المتحدة، كان المطلوب من فريق الإعداد التركيز على إظهار العراقيين سعداء بالغزو وإظهار بعض الشباب العراقي، وهو يتسابق بالسيارات وعمل تقرير موجه عن تحسن الاقتصاد.
من بين الأمثلة الشهيرة موقف صحيفة "الآوتاوا ستيزين الكندية" أثناء غزو العراق أيضًا، حيث كانت الصحيفة تعتمد على الأخبار الواردة من وكالة "رويترز"، والتي كانت تستخدم مصطلح "المقاتلين العراقيين" في إشارة إلى العراقيين الذين كانوا يقاومون الاحتلال الأمريكي، في حين قامت صحيفة "الآوتاوا ستيزين الكندية" بتحويل المصطلح إلى "الإرهابيين بالعراق"، مع استمرار استخدام وكالة "رويترز" كمصدر للإخبار مما حذا بالوكالة إلى أن تطلب من الصحيفة إما إزالة اسم الوكالة من على الأخبار أو استخدامها كما هي.
في المقابلات التليفزيونية، لا توجد مداخلات تليفونية من قبل المشاهير بل يقوم فريق الإعداد بالاتصال بهم، وفي كثير من الأحيان يكون هناك فريق معروف من الناس لدى فريق الإعداد لإبداء آراء محددة.. وفي معظم الأحيان يكون ضيف البرنامج على علم بالأسئلة قبل البرنامج ويتم الاتفاق على الإجابات مسبقًا، ولذلك يضطر الكثير من مقدمي البرامج إلى الهروب إلى فاصل عندما يشعرون أن الضيف قد بدأ يخرج عن النص، حيث يتم إعادة تذكيره بالخطوط الحمراء، وفي كثير من الأحيان وبخاصة قنوات ماسبيرو أو القنوات الحكومية يتم استضافة ضيوف يعرفون مسبقًا ما سيقولونه لأنهم متشبعون بالخط السياسي للحكومة.
في المقابلات الصحفية، قد أكون صادمًا عندما أذكر آن الكثير من مقابلات الرئيس الأسبق حسني مبارك لم يتم إجراؤها، حيث كنت أعمل في الصحيفة التي تقول إنها أجرت الحوار نفسه وعن قرب شديد مع المحرر السياسي الذي يكتب هذه الحوارات، حيث كان المحرر يقوم بتجميع ردود الرئيس على أسئلة سابقة في مناسبات متعددة في ويضعها في محاور مختلفة ويصنع منه حوارًا يتم إرساله بعدها للصحف القومية لنشره في أعياد السادس من أكتوبر بعد مراجعات دقيقة من جهات متعددة للحوار الذي لم يتم.
فرق الإعداد ومديرو نشرات الأخبار في كواليس الإعلام هم حراس بوابات –كما نطلق عليها في نظريات الإعلام– يسمحون بتمرير بعض المعلومات ويمنعون الكثير ويجملون الأكثر حسب الظرف السياسي والاجتماعي.
