الإرهاب المعتدل.. والاحتلال الصامت!!
لقد كرست لنا الحرب الكونية على سوريا مفاهيم جديدة لم نسمع بها من قبل في مجال العلوم السياسية بل هي من اختراع العقل الصهيونى الذي يسيطر على منظومة الإعلام على كوكب الأرض، ويصدر للرأي العام العالمي مجموعة من المفاهيم التي يحاول ترسيخها لدى العقل الجمعى حتى وإن بدت غير منطقية وغير متسقة مع ما هو مستقر وثابت ومعروف وشائع لدى عموم البشر، وإذا كانت المفاهيم القديمة والمستقرة في أدبيات العلوم السياسية في مبحث الإرهاب لم يرد فيها أن هناك إرهابًا متطرفًا مقابل إرهاب معتدل، فالإرهاب حالة واحدة تتضمن ممارسات متعددة سواء على المستوى المعنوى أو المادى.
وفى هذا الإطار تعد الممارسات المسلحة التي تقوم بها أي جماعة داخل حدود أي دولة مستهدفة الأفراد أو المؤسسات المدنية أو المنشآت العسكرية نوعًا من الإرهاب، وهذا الإرهاب يجب على الدولة مواجهته عبر شعبها وجيشها وكل مؤسساتها الرسمية، وخلال الحرب التي شنتها الجماعات التكفيرية المسلحة على كامل الجغرافيا السورية عبر السنوات السبع الماضية كنا نصنف ما يحدث من خلال ما هو معلوم ومعروف وشائع في مجال العلوم السياسية بأنه إرهاب؛ لأنه لا يحق لأحد امتلاك السلاح واستخدامه داخل حدود أي دولة إلا جيشها ومؤسساتها الأمنية الشرعية فقط، ما عدا ذلك فهو غير شرعي وامتلاك السلاح واستخدامه ضد الشعب وجيشه فهو إرهاب يستوجب مواجهته.
لذلك أعلنت الدولة السورية وهذا حقها بأنها ستخوض المعركة ضد الجماعات التكفيرية المسلحة التي جاءت من كل أصقاع الأرض لتمارس كل أنواع الإرهاب ضد الشعب والجيش، وهنا دارت الآلة الإعلامية الصهيونية التي تعمل هذه الجماعات التكفيرية المسلحة بالوكالة عنها لتنفيذ مخطط التقسيم والتفتيت للدولة السورية للترويج لمفاهيم جديدة لم نسمع بها من قبل ومن بين تلك المفاهيم الغريبة والعجيبة والتي تتنافى مع العقل والمنطق هو مفهوم الإرهاب المعتدل، حيث وصفت الجماعات التكفيرية المسلحة التابعة لها بأنها جماعات معارضة معتدلة، وحين تتحدث معهم بأنه كيف تكون المعارضة المعتدلة هذه مسلحة، وهل تقبلون أن تتسلح المعارضة في بلدانكم يصمتون ويخرسون.
وفى الوقت الذي تتعالى فيه أصوات ممثلي الدول الإمبريالية الغربية في أروقة المنظمات الدولية مطالبة بحماية الإرهاب المعتدل المزعوم في سوريا، وتعقد يوميًا الجلسات في مجلس الأمن مطالبة بوقف الضربات الموجعة التي يوجهها الجيش العربي السوري للجماعات الإرهابية في الغوطة الشرقية، تشهد أحد المتاجر الفرنسية حادث إرهابي يقوم به شخص واحد، ثم تعلن جماعة داعش مسئوليتها عن الحادث وهو التنظيم الإرهابي الأكبر على الأرض السورية والذي دافعت عنه فرنسا نفسها باعتباره تنظيمًا إرهابيًا معتدلا، فوجدنا قوات الأمن الفرنسية تستنفر ضد الإرهابي المعتدل وتقوم بقتله، وكأن الإرهاب عندما يضربهم يصبح إرهابًا متطرفًا لكن حين يضربنا نحن يكون إرهابًا معتدلا، أي منطق هذا وأى عقل الذي يحاول إقناعنا بالحاجة وعكسها في ذات الوقت.
وإذا كان هذا ما يتم بواسطة العقل الصهيونى وآلته الإعلامية فيما يتعلق بمفهوم الإرهاب المعتدل الذي لم نسمع عنه من قبل في أدبيات العلوم السياسية، فإن ما ورد في مبحث الاحتلال وما هو معروف وشائع عن هذا المفهوم هو اعتداء دولة عسكريا على أراضي دولة أخرى وإعلان سيطرتها وهيمنتها عليها وإخضاع شعبها ونهب ثرواتها، وهذه الحالة مجرمة في القانون الدولى وتستنفر لها المنظمات الدولية وعلى رأسها مجلس الأمن، وتتعالى الأصوات وتصرخ لكى تتدخل القوات الدولية لردع المعتدى وإجباره على الانسحاب، لكن في ظل الهيمنة الصهيونية على المنظمات الدولية ظهر مفهوم جديد لم نسمع به من قبل وهو الاحتلال الصامت، وهو مفهوم جديد سيتم تداوله في مبحث الاحتلال في أدبيات العلوم السياسية.
وهذه الحالة الغريبة والعجيبة لم نسمع بها ولم نشاهدها من قبل فحتى العدو الصهيونى الذي يحتل أراضينا العربية في عدة أقطار لم ينعم بهذه الحالة التي نشهدها اليوم من قبل العدو التركى الذي قام بالاعتداء العسكري على الأراضى السورية، وقام باقتحام مدينة عفرين وقتل شعبها والاستيلاء على مؤسساتها وإنزال العلم السورى ورفع العلم التركى عليها، في الوقت الذي لم يعلو صوت داخل المنظمات الدولية التي تصرخ دفاعًا عن الإرهابيين المعتدلين ليعلن أن ما حدث هو احتلال فاجر لابد من ردعه، ومن هنا يتم ترسيخ المفهوم الجديد وهو الاحتلال الصامت.
لكن مهما حاول العقل الصهيوني من نشر وترسيخ هذه المفاهيم الغريبة والعجيبة وغير المتسقة مع ما يقبله المنطق والعقل، والتي يتعامل معها المجتمع الدولى بدون ضمير، فإن عقلنا الجمعى العربي السليم لن يقبلها بأى شكل من الأشكال، وستظل بوصلتنا واضحة، فالجيش العربي السورى البطل الذي يقوم الآن بتجفيف كل منابع الإرهاب على الأرض السورية، سينهى حالة الاحتلال ليس فقط لعفرين بل وللواء الإسكندرونة المحتل من قبل العدو التركى، والجولان المحتل من العدو الصهيونى.. اللهم بلغت اللهم فاشهد.