رئيس التحرير
عصام كامل

السيسي.. الرئيس والمفوض!


رغم اتفاقنا أو اختلافنا حول "25 يناير" وكونها ثورة أو أحداث فوضى.. أو كونها خرجت من مَعِينٍ ثوري حُر، أو أنها خرجت من رحم المؤامرة.. فإننا لا نستطيع أن ننكر أنها أحدثت "عاصفة" في وعى المواطن المصرى.. الذي كاد قبل 2011 أن يتخلى عن مشاعره الوطنية الثابتة.. ولم تكن مصر بالنسبة له ليست سوى بيتًا ينام فيه، وأرضًا يتكسب منها، وحزبًا يصفق له حتى يعيش!


لقد أدرك المصرى أن وطنه الأمن بكل ما فيه من جراح كاد أن يُخططف.. فانتفض في أكثر من 10 استحقاقات انتخابية.. حتى أطلق ذات يوم على تهافته على صناديق الاقتراع "غزوة الصناديق" ربما حرك بعضًا منهم إليها الزيت والسكر.. لكن بالتأكيد قد حرك الغالبية منهم رغبتهم في الوصول إلى مصر التي يحلم بها!

وحين أدرك المصرى أن مصر التي يحلم بها تُخططف من جماعة لا ترى الوطن سوى "حفنة من تراب عفن" انتفض ثانية، بدافعٍ وطنىٍ حُر، وإرادة حقيقية، وأقسم ألا ينام في بيته دافئًا إلا ومصر ترقدُ في حُضنِه..!

وهنا برز المعدن المصرى النفيس.. وبُعِثَّت المشاعر الوطنية مجددًا، لتعبر عن نفسها من جديد.. وخرج الناس ملايين يفوضون الجيش في الدفاع عن الوطن بكل السبل التي يراها رادعة، حتى وإن أُضطر إلى استخدام "القوة الغاشمة"، كما تم وصفها فيما بعد، عن قناعة وإيمان أنه "لا يفل الحديد سوى الحديد"، وأن الحرب مع الإرهاب لا يجب أن يحميها القانون أو العقل أو حتى المنطق، ولا يجب أن تُجرى في غِطاءٍ من الرحمة.. فنحن أمامَ عدوٍ لا يعرفها..! فلم نره يرحمُ طفلًا أو شيخًا أو امرأة، ولم نره يفرق في عدائهِ بين مسجدٍ أو كنيسة.. هو فقط يستهدف "إسقاط وطن" بكل ما فيه.. ورغم ما فيه..!

لقد أصابت "العقل المصري" المثقف والبسيط عاصفة.. أردت سلبيته أرضًا، وسَمَت بوعيهِ الوطنى إلى عَنان السماء.. أدرك حينها أن لصوته أهمية وقيمة.. وأن صوته ليس مجرد علامة توضع على ورقة ترمى في سلة مهملة.. لكنه صار رصاصًا يوجه إلى صدر كل خائن أو حانق أو عميل أو متأمر على هذا الوطن.. وإذا كان أبناؤنا المجندين يذهبون بأرواحهم إلى سيناء يواجهون بها رصاص الإرهاب.. فإن المدنيين من أبناء الشعب ذهبوا بوطنيتهم الصادقة إلى صناديق الاقتراع يحمون بها ظهور المجندين.. ويعلنون للعالم أن مصر كلها جنود، بعضهم يحاصر الإرهاب في سيناء، وبعضهم يطارد الفاسدين في المؤسسات، وبعضهم يطارد المجرمين في الشوارع.. وبعضهم يحاصر الصناديق في الانتخابات..!

بعد 30 يونيو تحديدًا لم يحرك الناس إلى الصناديق بطونهم ولا أياديهم المرتشية، ولا حتى دوافعهم الدينية التي زرعها الإخوان في قناعاتهم، وأن كتمان الصوت ككتمان الشهادة، وكلاهما يفضى إلى النار.. وبات الذي يحركهم فقط هو حِسهم الوطنى السليم.. فالذي خرج ليُفَوض الجيش في 24 يوليو 2013، ليستعيد الوطن من أيدى الإرهابيين.. هو نفسه الذي يخرج اليوم في انتخابات الرئاسة 2018 ليفوض نفس الشخص في استعادة حضارة مصر ونهضتها من أيدي المفسدين والكُسالى.. يفوضنه في تشغيل ماكينات الإنتاج المُعَطَلّة، وزراعة أراضيهم التي بارت.. واستعادة كرامتهم التي سُلِبَت في الداخل قبل الخارج.. يفوضنه من أجل تعليم جيد وصحة جيدة وقوانين عادلة، تطبق على الجميع دون تفرقة!

يفوضونه في الحفاظ على النهر الذي تكالب الأعداء على منابعه في الجنوب.. وإذا كان السيد عبد الفتاح السيسي -الرئيس والمُفَوَض- قد نجح بجدارةٍ فيما فوض فيه في فترته الرئاسية الأولى، من استعادة الأمن ومحاصرة الإرهاب.. فهل سوف ينجح بنفس الجدارة فيما فَوَضَه فيه الشعب الآن من محاربة الفقر والبطالة وتحقيق التنمية..؟!

ربما كانت محاربة الإرهاب أسهل وإن كانت أدق.. ورغم قسوة تلك الحرب ومغارمه؛ لكنها أيضًا عَصَفَت بوعي الإنسانِ المصرى ثانية.. فأيقظته من ثُبَاتهِ العميق، وألقت به في الشارع، يسابق رجال الشرطة -تحت النار- في مطاردة الإرهابيين والفتك بهم..!

وأتصور أن ما جرى أمام كنسية "مارمينا" بحلوان الأشهر الماضية، ليس سوى دلالة على نضج الوعى الشعبى، وصحوة الشعور بالمسئولية الوطنية، وإدراك الشعب الكامل أن محاربة الإرهاب مسئولية جماعية.. وأنه إذا كانت التنمية لن تتحق سوى بمشاركة الشعب لحكوماته في التخطيط والتمويل والتنفيذ والتقييم، فإن مواجهة الإرهاب لن تكون سوى بمساندة ودعم الشعب للجيش والشرطة في الرصد والمواجهة والتجفيف..!

لقد ظهرت دلالات وعي الشعب في مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه.. وكذلك في وعيه بخطورة المرحلة التي يمر بها الوطن.. والتي دفعته إلى الخروج محتشدًا في الخارج إلى صناديق الاقتراع، وبالداخل خرج الأمس مُجيّشا إلى اللجان، رغم علمه المُسبَق بنتيجة الانتخابات.. خرج لا لشخصٍ ولا مصلحةٍ سوى مصر.. ولم يتبق بيننا وبين الخروج من الأزمة سوى "تكة" مرهونة بأن يُظهِر هذا الشعب العملاق رغبته الدفينة في التغيير إلى الأفضل، وإرادته الفولاذية الحرة في تحقيق التنمية ورفع معدلات الإنتاج المتباطئة.. ويؤمن بقدرته على الخروج بمصر من بئر التخلف إلى سماوات التنمية المفتوحة.. تُرى هل ينجح؟! سوف ننتظر.. ونلتقي بعد أربع سنوات أُخر!
الجريدة الرسمية