رئيس التحرير
عصام كامل

طابور الانتخابات.. أم طابور اللاجئين!


انطلق ماراثون الاستحقاق الدستوري لانتخاب رئيس الجمهورية لفترة رئاسية جديدة مدتها 4 سنوات يراهن فيها المصريون على الانطلاق بمصر إلى آفاق جديدة في ظل دولة قوية تملك أدوات العصر الحديث الذي تخلفت عنه كثيرًا.


وفي تقديري أن مشاركة المصريين في هذا الاستحقاق ليس من أجل اختيار رئيس فقط.. لكنها مشاركة بطعم الاستفتاء على مستقبل وطن، وعلى تأكيد استمرار مرحلة البناء والتنمية، وعلى الحفاظ على بقاء الدولة الوطنية في وقت تتلاشي فيه معالم الدول من حولنا، وعلى إبراز صورة التحدي لكل المؤامرات والدعوات التي تريد أن تستلب من الشعب إرادته، وعلى الرد بقوة على من يريدون فرض وصاية على الشعب وتوجيهه حسبما يريدون.

المصريون يخوضون معركة أكبر من معركة انتخاب رئيس وهم في أعلى نقطة من الإيجابية والروح الوطنية العالية، لذلك لن يلتفتوا لدعاوى المقاطعة، ولن تؤثر فيهم أو عليهم ضربات الإرهاب الطائشة.. اليائسة.. والتي تعبر عن إفلاس كبير يعانون منه!

معركة المشاركة والذهاب إلى صناديق الاقتراع رسالة تؤكد أن وعي المصريين تجاوز حدود الثقة بالنفس، ولم يعد هناك ما يخيفهم بعد أن أدركوا بمخزونهم التاريخي والحضاري أن قضية الوطن هي أعظم وأخطر القضايا، وأن كل شيء مهما كان لا يُعوض فُقدان الوطن أو سقوطه.

لذلك فإن المشاركة هي قضية وطنية بامتياز لأنها تعطي رسالة للداخل تقول إن العقل الجمعي في حالة يقظة وانتباه لكل المتربصين والكارهين، ورسالة للخارج تقول بوضوح أن المصريين شعب عصى.. لا يقبل أن تنكسر إرادته، ولا يقبل أن ينتظر الغوث والمدد من غير الله، والأدلة على ذلك كثيرة.. منها حال المصريين في لحظات الخطر التي يتعرض لها الوطن، وحالهم عندما يدخلون معارك التحدي.. يفهمون رسالة العدو سريعًا.. يلتقطونها ويفكون شفرتها في لحظتها فيقلبون السحر على الساحر، ويردون الصاع صاعين وأكثر، ومن حيث يريد الإرهاب أن يفزعهم وينال منهم يردون كيده إلى نحره ونجدهم أكثر ثقة، وأكثر شجاعة، وأكثر إصرارًا على استكمال المسيرة.

في إجابة واضحة ورسالة قوية رد صديقي الدكتور مصطفى ساري، استشاري التغذية المعروف، على سؤال عن أهمية المشاركة في الانتخابات على إحدى الفضائيات قائلا: (طابور الانتخابات.. أم طابور اللاجئين.. أيهما نختار؟).. وتقديري أنها إجابة عبقرية تلخص أهمية المشاركة في قضية الوطن.. بما يعني أن المشاركة اختيار، والفرق بين الاختيارين كبير وعظيم.. بين الوقوف في طابور لجان الانتخاب بإرادة حرة لمدة ساعة أو ساعتين، وبين الوقوف أيام وليالٍ في طابور اللاجئين بإرادة مسلوبة ونفس مقهورة انتظارًا لوجبة طعام أو قطعة كساء من منظمات إغاثة دولية أو ما شابه.. قتلت القتيل ومشيت في جنازته!

قد يرى البعض أن ما قلته صورة خيالية، ويرى البعض الآخر أنه سيناريو غير قابل للحدوث، والحقيقة أنها صورة واقعية، وسيناريو قابل للتطبيق بسهولة، لولا عناية الله أولا ثم قيادة سياسية أمينة ووعي شعب التف حول دولته الوطنية وحافظ عليها من السقوط.

وللمنكرين والكاذبين.. السيناريو تحقق في العراق وسوريا واليمن وليبيا بامتياز ورأينا اللاجئين والنازحين والفارين تحت جنح الظلام وتحت القصف هربا من الموت على الهوية أو العقيدة أو الأيديولوجية، وكثيرًا ما كان الهروب من الموت إلى الموت ولكن بأساليب مختلفة!

قرار اختيار المشاركة حاسم ودقيق -والرهان فيه على البقاء مستقرًا وآمنًا وعلى قيد الحياة– بين طابور الانتخاب وطابور اللاجئين.. بين طابور الحياة وطابور الموت.. بين طابور الأمل وطابور اليأس.. بين طابور التحدي والإرادة وطابور الاستسلام والانكسار..

أثق إلى أبعد مدى أن المصريين اليوم وغدًا وبعد غدٍ سيختارون بإرادة حرة ووعي كبير الوقوف في طابور المشاركة والأمل والتحدي والحياة، ودائمًا تحيا مصر. 
الجريدة الرسمية