رئيس التحرير
عصام كامل

«أزمة رقص» قصة لـ«شيماء عبد الناصر»

شيماء عبد الناصر
شيماء عبد الناصر


لرقصة سامية جمال عبير خاص، ولتحيا كاريوكا «هزة وسط» جنان، مغرمة هي بالرقص والراقصات، تتحدث عنهن كأنهن بمثابة ملكات متوجات تنحني لهن تقديسًا واحترامًا.
- والنبي لو كنت في زمن سامية جمال، كنت ولعت في نفسي عشان يخلوني أشوفها وهي بترقص، كل واحد ونضاله بقا.
الرقص والطهي أفعال أنثوية محضة، الأنثى تشبه الأفعى كثيرًا، الأفعى تنسلخ عن جلدها القديم عن طريق التلوي على الصخور فتتشبث نتوءات الصخور الحادة بتلافيف الجلد المتهرئ، وتتخلص الأفعى بذلك من جلدها القديم، فهل تتألم الأفعي أم تستمع؟
سامية تحب اسمها لأنه على اسم «سامية جمال» الراقصة، أحب رقص سامية صديقتي، لأني أراها ترقص أمامي ونحن معا في حجرتي حينما تزورني أو حجرتها عندما أزورها، ولا يجذبني رقص فاتنات السينما لأنه يفصلني عنهن شاشة لا توصل لي أنفاسهن المجهدة من كثرة الرقص، لرقصها لذة تشبه قطرة مطر طازجة في يوم شتوي منعش مغلف بأريج النعناع. حينما تطهو تكف عن الرقص، تركز في طهيها وفي مقاديرها، وفي كميات مناسبة من الملح والبهارات لضبط الأكلة، ترقص فقط في غرفتها، وحينما تكون حزينة جدا أو سعيدة للغاية.
لا أجيد الرقص مثلها، لقد تعلمَتْهُ منذ كانت في العاشرة، أحبت ابن الجيران وحينما أرادت أن تنساه، قررت أن ترقص، أسأل نفسي دائما: هل كانت تتألم أم كانت مستمتعة؟
لم يساورني من قبل شعور أو رغبة في الرقص، فأنا حينما أحزن أخرج من البيت لنزهة تعيد لي انسجامي مع نفسي وأعود لسعادتي الأولى، هذه المرة لا يجدي الخروج، فكل مكان يذكرني به، عند النيل جلست هنا وصديقاتي نحكي عنه، أتذكره عندما أذهب للمشي عند النيل، كل نسمة هواء منداه، تبعث ملامحه إلى قلبي فتثير شجوني، وغرفتي تذكرني به، طالما فكرت فيه وأنا شاردة، وطالما حكوت عنه لأختي وأمي وصديقاتي.
بكلتا يدي أمسك بكوب «الكركدية» وأجلس فوق السرير ونظري ناحية جهاز التسجيل، وبجواره شريط أغنية لمحمد منير لكني لا أعرف الرقص ولا أعرف هل أستمتع أم أتألم؟
تهاجمني ذاكرتي به فينساب فوق ساحل أنوثتي غضب الأفعي حينما يزعجها جلدها القديم، فتقرر فطريا أن تذهب لأقرب مجموعة صخور وتندس بينها وتبدأ في التلوي.
على الموسيقى أتلوي وبين صخور حادة صنعتها مواعيد لقاءات لم تكتمل وأحلام عطرية راحت رائحتها المخملية وأصبحت كوابيس مزعجة، تصبح دقات قلبي هادئة، توم ثم توم أخرى وتوم ثالثة هادئة هادئة جدا، الكون كله هادئ ومنعش كأن الأوكسجين الذي أتنفسه ما هو إلا ذرات دقيقة جدا من الياسمين وحبيبات من النعناع، يمتزج العالم بأنفاسي فأراه يضحك تارة ويبتسم بخجل أنيق تارة أخرى، أدع يدي تتجول فوق ذراعي فتنزلق على جلدي الناعم كوسادة وثيرة، وأطلق خصلات شعري فأراها تطير بعيدًا حتى تداعب الشمس إلى أن تغرب فتبدأ بشقاوة متزايدة في مداعبة القمر، وتمد مناوشاتها إلى النجوم، ترفل تحت سقف السماء المخملي وتغرسني كنافورة فوق المدى، أنظر إليه من بعيد كفراشة تنظر إلى النار يستهويها ضوؤها البراق ويغريها جمالها الفتان وتقتلها لسعاتها الهائجة، أنزع برفق وبهدوء من قلبي بضع جراحات غائرة وأضمد الأوجاع بأمنيات سعيدة، أمزج البحر والرمال والآهات وأفرع الأشجار معًا في لوحة واحدة واسميها أنين، وأطير فوق سماء اللوحة، فيصبح كياني كله أنين، أنساك وأمسحك من فوق جلدي بحذر شديد شديد، هكذا كما تلعق القطة فروها بهدوء واستجمام، وأنظر إلى جلدي وقد أصبح في نضارة الزهور الربيعية خاليًا من الهموم والأرق بعيدًا عن الألم، ينسجم من جديد مع الكون الحالم السعيد.
الجريدة الرسمية