رئيس التحرير
عصام كامل

«الفتاة التي ترسم البهجة» قصة لـ«شيماء عبد الناصر»

فيتو

بهجة برائحة الفن تصنعها حولها فرشاة الرسم والألوان، للفن رائحة تشبه منظرًا طبيعيًا على لوحة فنان، ترسم سماءً واسعة، وضعت بها سحابتين ولم يعجباها فأزالتهما مرة أخرى، ونشرت طيورًا زرقاء، اندهشت لأنها تكونت مثل السحابة، تركتهم حينما أصروا على ذلك، في الأرض كان العشب طريًا وكانت تشعر بنداوة المياه حينما تتخلل عروقه الغضة، الجبل في آخر اللوحة يشبه حسناء في مقتبل العمر، تبتسم لأنها تشعر بجمالها وبلذة الحياة.

رسمت رجلا يكتب الأمواج بعيون حبيبته الغائبة ويهيم في الصحاري باحثًا عن دفء يديها ولا يجد سوى إشراقات صباح جديد، يجلس فوق الشمس ينعش عينيه بتلافيف أشعتها الطيبة ويرتق ثوب حبيبته الغائبة ببعض من الرقائق الجديدة التي عثر عليها في الحديقة من خيوط الحرير، أدمى قدميه الرحيل في بلاد الشوق وأعاده الحنين إلى شجرة صغيرة كانا يتقابلان عندها، أحبته حينما اخترقت ضحكته جدارا عظيما كانت تحوط به قلبها وأحبها حينما أحاطت يديه بالحب وقبلته في جبينه قبلة واحدة، ثم تركته ليبحث عنها طوال العمر كي لا يجدها فيزول قرص الشمس ويقضي لياليه الحالمة في رحاب القمر.
في اللوحة شجرة وحيدة ناضرة الاخضرار تتوسط العشب ويقف بالقرب منها رجل وامرأة ترتدي ملابس بيضاء ينسدل شعرها الطويل خلف ظهرها، ويحوط ذراعيها أساور ملونة، أزرق ثم أبيض ناصع يختلط مع لون جلدها، أصفر، أخضر تناغم مع العروق، أحمر، يشبه مسحة خفيفة من الخجل فوق وجنتيها، حينما يتجاوزان المساحة الخضراء تظهر الأرض القمحية والعروق الجافة للقمح المحصود للتو، يفصلهما عن الجبل نهر واسع، يشبه عينيها لكنه أشقى بكثير، بعد أن يمرا بمحصول القمح يصلا إلى بيت كبير يشبه قصور الأمراء في حكايات ألف ليلة وليلة، يدخلانه، بالداخل الأرض بيضاء وتتجاور فوقها فتيات رائعات الجمال، يرقصن جميعا رقصة واحدة، وينحنين أمام الرجل وامرأته، إنهن عرائس الحب والحياة،، يرقصان معهن، تنساب المياه من الشلال حولهن لتصنع جزءً من الموسيقى والجزء الباقي تصنعه نبضات القلب، تظهر جلية في الصورة، تحملها الابتسامات ونظرات العيون، والذي يدقق في الصورة أكثر، يجدها مرسومة على هيئة قلب فوق كفوف الأيدي وعلى الجباه.
ترسم موتسارت وقد صنع موسيقاه بضحكة غجرية مائعة، طاف بلاد الكون بطفولة هائجة هي تلك التي وشت زخارف الفن بموسيقى أعنف من الإعجاز، أرق من السحاب، تعيش حياتها بحبة آلام وحبة أفراح أخرى، لكن كلما كان الجنون صديقها في الدنيا، كانت أكثر إبداعا، الجنون إبداع في حد ذاته، الاتزان عادة مقيتة، هل كانت موسيقى موتسارت، راقصة، مجنونة، شهوانية كصاحبها، بلا هدف كأغلب حياته، مائعة كضحكته.
انحدرت عيني من أعلى الصورة حيث قمم الجبال، وبعض رمال تعلق على نتوءاتها، ثم المياه المنسابة حتى تصل إلى النهر، مررت يدي على أجساد الأطفال الصغار، كانت غضة الطفولة تنطق على اللوح، أشم رائحة البراءة وأسمع مناوشاتهم مع بعضهم، أغض طرفي عن الرجل وحبيبته فأنا لا أحب القيام بدور العاذل، أسير على العشب الجاف وأهبط قليلا، أترك الإطار الملون للوحة إلى جزء سماوي، حيث اللوحة سماء واسعة، أجد فتاتي تراقب حركات الألوان وتضع يدها أسفل ذقنها، وفي يدها الأخرى فرشاة مغمسة بالأبيض، نسيت أن تمرر فرشتها على أسنان المرأة، لتضع خطًا لؤلؤيا بين شفتيها، ثم تتركها، وتجلس بعيدًا تتأمل لوحتها من جديد.

الجريدة الرسمية