رئيس التحرير
عصام كامل

«فيتو» تخترق إمبراطورية زراعة وتصنيع المخدرات في قنا.. «البانجو» على أسطح المنازل.. و«الحشيش» وسط القصب والموز.. مصانع لإنتاج الأقراص المخدرة في «جبل الحلال القنائي&

فيتو

محافظة قنا واحدة من محافظات الصعيد التي تكثر زراعة وتصنيع المواد المخدرة بكل أنواعها في بعض مناطقها، خاصة الواقعة في المناطق الصحراوية الوعرة والقريبة من الجبال والتي يصعب الوصول إليها.. أيضًا تتم زراعة المواد المخدرة مثل البانجو والخشخاش والأفيون وسط الزراعات بعدد من القرى، فيما تتخصص قرى أخرى في تصنيع وتجارة تلك السموم.. “فيتو” خاضت رحلة للبحث عن مناطق زراعة وتجارة وتصنيع المخدرات داخل المناطق المغلقة والمحرمة بالمحافظة، وتكشف في مغامرة مثيرة أسرار إمبراطورية “الكيف” في قنا.


بدأت الرحلة من قريتين بمركز أبوتشت شمال المحافظة، حيث تجرى زراعة الحشيش والبانجو وسط المناطق الجبلية الوعرة، أو وسط الزراعات خاصة قصب السكر والذي يغطى مساحات كبيرة، تصعب معها الرؤية وتعوق وصول الأجهزة الأمنية، وقد نشطت في الآونة الأخيرة زراعة وتصنيع “البانجو والأفيون والحشيش”.. ثانى تلك البؤر كما قال البعض في المناطق القريبة من الصحراء بقرية الحجيرات، وتستغل العناصر الإجرامية تلك الطبيعة في الهروب من قبضة الأمن، أو الاحتماء بزراعات القصب التي يصعب تفتيشها أو مداهمتها، وهو ما دفع الأجهزة الأمنية لإقامة نقطة شرطة ثابتة بالقرية..

أما البؤرة الثالثة كما يردد البعض فهى قرية حمرا دوم بمركز نجع حمادي، والتي تقع في حضن المنطقة الجبلية، ويشتهر عنها أيضا بجانب الاتجار في المخدرات تجارة السلاح بجميع أنواعها، وقد داهمتها قوات الأمن خلال الأشهر الماضية عدة مرات، ومع استمرار الجهود الأمنية، نجحت في الحد بشكل كبير من زراعة وترويج المواد المخدرة.. رابع تلك المناطق هي قرية أبو حزام التابعة لمركز دشنا، والتي يشتهر عنها أيضا الاتجار في المواد المخدرة، وقد شنت أجهزة الأمن حملات وتمشيطات للمناطق الجبلية والزراعية، وتم إحباط عدة عمليات تهريب للمخدرات بها، فضلًا عن تدمير زراعة أشجار البانجو بمزرعة شرق النيل قد تكون هي الأكبر في تاريخ قنا.

الأفيون في حضن الجبل
وكان الجبل ملاذا آمنًا لهؤلاء التجار والمزارعين؛ نظرًا للمدقات الجبلية الوعرة وانتشار المناطق الجبلية بقرى قنا، شمالًا، حيث وجد المزارعون بيئة آمنة لزراعتهم غير المشروعة، ولبعد قرى بعض المراكز في الوقف وأبو تشت وفرشوط ودشنا عن قوات الأمن لطبيعتها الجبلية الوعرة، ووجود العديد من الطرق التي تؤدى إلى محافظات وبلدان قريبة من الحدود، فإنها وجدت انتشارًا واسعًا، وبدأ البعض يفكر في الصناعة وإقامة مصانع في حضن الجبل لصناعة الأقراص والمواد المخدرة..

ويتخذ الكثير من سكان الصعيد من الأفيون علاجا لعدد من الأمراض، خاصة الأمراض المزمنة، ومنها آلام العظام والجهاز الهضمى وغيرها، وينتشر توزيعه في الأفراح والمناسبات العائلية، ويتم توزيعه على الحاضرين حتى من لا يتعاطونه، باعتباره عرفا متداولا، كما اشتهر العديد من البؤر الاجرامية، ومنها قرية الكرنك، والتي تقع في حضن جبل الكرنك المعروف إعلاميًا “بجبل الحلال القناوي”، بنشاط واسع في صناعة الأقراص المخدرة وجلب كميات أخرى وترويجها عن طريق الجبل للمحافظة، والمحافظات المجاورة.. أما الأكثر غرابة فهو لجوء بعض تجار المخدرات، إلى زراعة البانجو أعلى أسطح المنازل حتى يكون بعيدا عن أعين رجال المباحث، وقد تمكنت الأجهزة الأمنية من ضبط أعداد كبيرة من أشجار البانجو مزروعة داخل “قصارى” أعلى المنازل.

مصانع “الكيف”
واصل محقق “فيتو” رحلته للبحث عن مناطق زراعة وصناعة المخدرات في قنا، وتحدث مع مصدر خاص عن مناطق التصنيع وطرق التهريب، فكشف الأخير عن أن مركز فرشوط الذي يقع في حضن الجبل الغربي، يوجد به عدد من المدقات الجبلية الوعرة منها ما يؤدى إلى محافظة الوادى الجديد، ومنها ما يؤدى إلى منطقة نصر النوبة بأسوان، ومنها إلى السودان.. وتعتبر الحدود الجنوبية من أخطر طرق التهريب إلى داخل مصر.. ويتخذ هؤلاء من كهوف الجبال القريبة من الصحراء الغربية مخبأ لمصانع الأقراص المخدرة وتحت ستار صناعة العسل الأسود، وهذا هو النشاط المعلن..

وعن هذا النشاط الإجرامى قال المصدر بعد تردد: “هذه مصانع السم في العسل”.. وأوضح: “هذه مصانع لصناعة العسل الأسود وجميعها غير مرخص، ويتخذ من الجبل ملاذًا آمنًا بعيدًا عن أعين الصحة والحكومة وغيرها، بالإضافة لوجود بعض الأنشطة الأخرى، ومنها صناعة الأقراص المخدرة بمختلف الأنواع والأحجام، ولذا أطلقنا عليها مصانع السم في العسل، وهذه المصانع كما هو واضح في مناطق جبلية وعرة يصعب الوصول إليها كما يصعب إثبات قيامها بتصنيع الأقراص المخدرة،، فعند الدخول إلى المصنع توجد ماكينات لتصنيع العسل، في حين توجد أدوات تصنيع المخدرات في مخابئ خاصة يطلقون عليها “مخابئ سحرية”، لا يعرفها سوى عدد قليل من القائمين على هذا النشاط الإجرامى”.

بعد محاولات عديدة دخل “المحقق” إلى بعض مصانع “السم في العسل” الموجودة في هذه المنطقة الجبلية، ووجد بداخلها الكثير من الأدوات المستخدمة في صناعة العسل الأسود، ولكن هذه الأدوات غريبة الشكل، فضلًا عن قذارة المكان الموجودة فيه، والتي تشعرك للوهلة الأولى أنه من غير المعقول أن تكون هذه أدوات لصناعة العسل، وجميع العاملين لا يتحدثون، ويرتدون ملابس رثة شديدة السواد، والمكان بصفة عامة غير مجهز أساسًا لصناعة العسل.

وقد خرج المحقق بأعجوبة من المصنع إلى منطقة جبلية لاستكمال رحلة البحث عن باقى المصانع الموجودة في هذه المنطقة، لكن المرافقين رفضوا ذلك خوفًا من تتبع بعض القائمين على إدارة مصانع المخدرات لنا.. وذكر البعض أن هناك مصانع لإنتاج المواد المخدرة “برشام” خاصة في المنطقة الجبلية المرتفعة، والتي تكون بعيدة عن الأنظار، ولا يستطيع أحد أن يصل إليها، ويوجد بها العديد من الكهوف والفتحات التي يستطيع المصنعون والتجار تهريب إنتاجهم إلى الأسواق وتجار الجملة من خلالها.. انتقلنا إلى منطقة أخرى في قرية “السمطا” التابعة لمركز دشنا شمال المحافظة، حيث تشتهر خلطة سحرية يتم ترويجها عبر التجار الصغار، وهى عبارة عن مجموعة من الأعشاب مضافًا إليها كميات صغيرة من البانجو وأقراص مخدرة وحشيش، وتتراوح أسعار تلك الخلطة السحرية التي يقبل عليها الكثير من المتعاطين بين 20 و40 جنيهًا.

ضربات أمنية
من جهته كشف مصدر أمني مطلع عن أن الأجهزة الأمنية رصدت العديد من البؤر الإجرامية في محافظة قنا، من بينها مناطق تخزين وتهريب الأسلحة وأخرى لزراعة المخدرات وتصنيعها، ووضعت خططا محكمة لمهاجمة تلك البؤر وتصفيتها، وبالفعل اقتحمتها وألقت القبض على المئات من العناصر الإجرامية الخطرة، وعثرت بحوزتهم على كميات ضخمة من الأسلحة والذخائر والمواد المخدرة بكل أنواعها.. ومن أشهر تلك الضبطيات واقعة ضبط ألف شجرة بانجو وحشيش داخل مزرعة بإحدى قرى قنا، و100 شجرة بانجو أعلى سطح منزل، وما يقرب من طن بانجو وحشيش بمختلف قرى مراكز المحافظة، ونحو 3 كيلو أفيون في سابقة تعد الأولى من نوعها.

"نقلا عن العدد الورقي"...
الجريدة الرسمية