عندما غاب العقل والوعي (٦)
على ماذا يراهن الإخوان الآن؟ هل يراهنون على تصدع وانهيار النظام المصرى وزعزعة أمن واستقرار البلاد؟ ألا يتناقض ذلك مع ما كانوا يزعمون، وهو أنهم أصحاب دعوة إسلامية ترمى إلى الارتقاء بالمجتمع؛ قيميا وأخلاقيا وايمانيا وإنسانيا، وأن تكون مصر - شعبا ووطنا ومؤسسات - قوة كبيرة، وأنها لابد أن تستعيد دورها ومكانتها على المستويين الإقليمي والدولي؟ هل هذا ما كان يردده الإخوان- مع غيرهم- دائما، وهو أنه إذا نهضت مصر، نهض العالم العربي، وإذا كُبت- لا قدر الله- كب العالم العربى؟
وأين ما قاله شاعر النيل حافظ إبراهيم في رائعته "مصر تتحدث عن نفسها": "أنا أن قدر الإله مماتى** لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدى"؟!
الحقيقة أن ما يراهن عليه الإخوان منذ فقدانهم للسلطة وحتى الآن هو ما يهدف إليه المشروع الأمريكي الصهيوني، وهو كسر إرادة مصر وإصابتها بالعجز والشلل، ليستكمل مخططاته في مزيد من التفتيت للمنطقة، والتركيع لشعوبها، ضمانا لإحكام السيطرة على ثرواتها ومواردها، والقضاء على خصوصيتها الثقافية وطمس معالم تراثها الحضاري..
ولا شك أن مراهنة الإخوان ومناصريهم على هذا النحو المؤسف والمخجل يعطي تفسيرًا لما تقوم به الإدارة الأمريكية (وتابعوها) من دعم وتأييد ومساندة لهم.. لقد ظلت الجماعة حريصة على أن تضع خطا فاصلا بينها وبين جماعات العنف والإرهاب طيلة ما يربو على ٤٠ عاما (منذ منتصف السبعينيات وحتى عقب ثورة ٢٥ يناير) وكانت مواقفها شاهدة على استنكارها ورفضها وإدانتها للعنف، أيا كان شكله وأيا كان مصدره..
فما الذي جرى لهم؟ هل هو فقدان السلطة الذي استلبهم عقولهم وأفقدهم رشدهم، فأنساهم إستراتيجية الجماعة التي كانت- فيما مضى- تتغنى وتتفاخر بها على غيرها من جماعات العنف والتي أصبحت جزءا منها؟ أم أنها كانت خداعا أو تكتيكا للوصول إلى السلطة؟
وإذا كان ما حدث- ولا يزال- ترجمة للمثل المصرى القائل: "يا فيها لأخفيها"، فإن الإخوان لم يفقدوا السلطة فقط، لكنهم فقدوا ما هو أهم من ذلك بكثير وهو ثقة الشعب فيهم، وبات واضحا أن الهدف من توليهم للسلطة لم يكن صالح مصر وإنما صالح الإخوان، وتلك هي المصيبة..
سوف يقولون إنهم كانوا يسعون إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، وإن هذه الثورة أو "الانقلاب" ما جاء إلا لقطع الطريق عليهم ومنعهم ومناصريهم من تحقيق حلمهم الأكبر.. حسنا، ألا يحتاج تطبيق الشريعة إلى تهيئة المناخ الايمانى الملائم الذي يجعل الناس تتجاوب معها عن طواعية واختيار، لا عن إكراه وإجبار؟!