شايلك في قلبي.. وفاكرك يا مصر
لعلي لا أكون مبالغًا عندما أذكر أن المصريين في الخارج هم صفوة المصريين جميعًا الذين يحملون مصر في قلوبهم، ويتغنون بها ليس قولا وإنما عملا وفعلا يجعلهم يواصلون شقاءهم من أجل مستقبلهم الذي لا ينفصل أبدًا عن مستقبل مصر، هؤلاء "الشقيانين" هم من يقدرون قيمة مصر ويعرفونها حق المعرفة، ويخافون عليها أشد الخوف بصورة قد تفوق المصريين بالداخل..
فالمصري بالخارج لا يفتعل حب مصر، وإنما يشعر بذلك الحب يسري في دمائه، ويجعله ينتفض ويرتعش عشقًا وشوقًا عندما تأتي سيرة مصر، أو يسمع أغنية وطنية، أو تصك أذنيه أغنية: "شايلك في قلبي، وفاكرك يا مصر، صوتك بيعصر في قلبي عصر، خدي بإيدي، وامشي معايا، نعدِّي نصر، ندخل في نصر، شايلك في قلبي يا مصر".
وهو يعايش وطنه معايشة تامة، ويدرك متاعبه وما يطمح إليه من مستقبل، ويتمنى له السلامة والرغد والعيش الهانئ دائما، ويعرف جيدا أعداء بلاده خاصة تلك الجماعة الإرهابية ومن يحركها من مخابرات عالمية أمريكية وإنجليزية، بمساندة قطرية مالية فعالة، ودعم تركي غير محدود في سبيل القضاء على الوطن، وفي سبيل ذلك يستعينون بمرتزقة الداخل، ومدعي الوطنية و"التثور اللاإرادي" و"نشطاء السبوبة"..
وكان آخر مخطط لهم هو إفساد عرس الانتخابات الرئاسية، فخرج علينا من أطلقوا على أنفسهم اسم "التيار المدني الديمقراطي" بدعوة غريبة تدعو الناس للمكوث في منازلهم ومقاطعة الانتخابات، وعدم الاعتراف بشرعية نتائجها، بدعوى تضييق الدولة على من رغب منهم في خوض الانتخابات، رغم أن الدولة لم تقم بشيء سوى تطبيق القانون..
فكان هناك شخص لم يحصل على موافقة القوات المسلحة التي ينتمي إليها فتم التحقيق معه، وآخر انسحب لتيقنه أنه لن يستطيع أن يجمع التوكيلات، وأخيرًا تورط في قضية مخجلة وأخذ يعتذر لأسرته أولا عن ذلك، وثالث رفض خوض الانتخابات من الأساس، فما ذنب الدولة في ذلك؟ والأغرب أن السيد حمدين صباحي كان من هؤلاء الداعين للمقاطعة بزعم التضييق على المرشحين، رغم أنه هو نفسه خاض التجربة دون تقييد أو تضيق، وكانت الأصوات الباطلة أكثر من الأصوات التي حصل عليها.
فالدعوة للمقاطعة ليس هدفها بالطبع الدولة أو الديمقراطية؛ لأنه لو كانت تهدف لذلك لكانت الدعوة للنزول للانتخابات وإبطال الصوت مثلا، أو ترشيح من يرونه مناسبا، لكن الدعوة كان المقصود منها إحراج مصر لا أكثر في العالم، وتصوير المشهد وكأن المصريين غير راغبين في حكم الرئيس السيسي؛ مما يهز من هيبته وقوته بعد ذلك، وكله يصب في خانة عدم وصول مصر إلى مرحلة من القوة تخشاها أمريكا وإسرائيل..
وظن هؤلاء الدعاة أن دعوتهم سوف تثمر، خاصة مع المصريين في الخارج؛ نظرًا للمديا الإعلامية الجبارة التي تملكها المخابرات المعادية، وجماعة الإخوان الإرهابيين، وكان انتظار يوم تصويت المصريين في الخارج على أحر من الجمر لفئة الداعين للمقاطعة مع أعداء مصر والإخوان الإرهابيين؛ ليروا عزوف المصريين بالخارج عن التصويت فيهللون لوجهة نظرهم الخائنة، وقد استمرت دعواتهم للمقاطعة أشهرًا طويلة؛ بحجة أن السيسي هو الرئيس بلا منافسة فلماذا تجشم عناء الذهاب؟
وأن المعارض الرافض لبرنامج الإصلاح الاقتصادي لن يشارك في تدعيم شرعية نظام تسبب في ارتفاع الأسعار، كما أن المصري بالخارج سيكون مشغولا بأعماله عن الذهاب لنتيجة محسومة مسبقًا حتى لو كان يدعم الرئيس السيسي.
لكن خيب الله ظنهم ومسعاهم الخبيث، وقدم المصريون الوطنيون بالخارج صورة تنم عن حب وطني جارف، وعشق لتراب مصر، فكان إقبالهم بصورة أكد معظم المتابعون، خاصة من الأجانب، أنها غير متوقعة، وقد أثبتوا لذلك التيار المزعوم والإخوان الإرهابيين، وكارهي الوطن، أنهم يفهمون في حب بلادهم أكثر من فهمهم في السياسة، فكان ذهابهم للصناديق وتجشمهم المشاق ليس نابعًا من التصويت للسيسي، لكنه نابع من التصويت لمصر..
فهم لم يكونوا في عملية سياسية لكنها عملية عشقية واحتفالية، فقد أراد هؤلاء أن يجعلوا من هذا اليوم عيدًا حقيقيًا لمصر يرد كيد الكائدين لنحورهم، فاصطحب بعضهم آلات الغناء والوسائل الحديثة، وأدلوا بأصواتهم على أنغام الأغاني الوطنية خاصة نشيد "قالوا إيه" أو نشيد الصاعقة الذي يريدون من خلاله أن يقولوا إنه إذا كان خيرة شباب مصر من الجيش والشرطة يضحون بأرواحهم هذه الأيام في حرب ضروس ضد جماعة الإخوان الإرهابية وأذنابهم من تكفيري سيناء وكل مصر..
فإن المصري بالخارج لا يقل عن ذلك في حدود إمكاناته التي هي الإدلاء بصوته، واستخدام النشيد العسكري ليقول للخونة نحن مع خير أجناد الأرض، ومع استقرار وتنمية مصر ورفعتها ووصولها في خلال سنوات أربع لمكانة لم تسبق بها من قبل في كل المجالات، وهذا الأمر أصاب الجماعة الإرهابية بصدمة عنيفة جعلتهم يهذون بألفاظ غريبة، ولا يدركون ما يقولون..
خاصة أن المصريين في قطر معقل إرهابيي الإخوان انطلقوا للصناديق غير عابئين بالتهديدات؛ مما يؤكد أن مصر هي الأهم في قلوبهم، أهم من أرزاقهم بل من حياتهم نفسها، وأنهم لو تم استدعاؤهم للجيش لكانوا في أول الصفوف، وأنهم غير عابئين بالخونة والإرهابيين في قطر..
وقد أدرك المصري بالخارج وقطر وتركيا تحديدا ما لم تدركه النخبة المزعومة، وهو أن ما يجرى في هذه الانتخابات ليس منافسة بين مرشحين، وإنما صراع مع الخارج لتدعيم أركان الدولة المصرية وشرعية نظامها، بمعنى آخر أن المشاركة بحد ذاتها تصويت لصالح الدولة المصرية، وأن انتخاب عبدالفتاح السيسي تصويت لمشروع إعادة بناء الدولة على مبادئ حديثة تتضمن عقدًا اجتماعيًا جديدًا يمهد الطريق لدولة مدنية ديمقراطية حديثة.
وقد استحق المصريون في الخارج تحية الرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث قال: "كل التحية والاحترام والتقدير لكل أب وأم وكل ابن وابنة قاموا بأداء واجبهم الوطني في تقرير مستقبل مصر"، وأضاف: "كل التحية لمن تحملوا الظروف المناخية الصعبة، ومشقة السفر من مدينة لأخرى للتصويت في الانتخابات، بغض النظر عن توجهاتهم واختياراتهم، التي لهم فيها كل الحرية"، ونحن على يقين من أن المصري بالدخل لن يقل فهما ووطنية عن المصري بالخارج، وسيشارك في هذا العرس لاطما الجماعة الإرهابية ومحركيها، معطيا المثل للوطنية الحقة في العالم كله.
وأخيرًا ودائمًا: "شايلك في قلبي، وفاكرك يا مصر، صوتك بيعصر في قلبي عصر، خدي بإيدي، وامشي معايا، نعدِّي نصر، ندخل في نصر، شايلك في قلبي يا مصر".