ليلة رحيل السند
في مثل هذا اليوم منذ ثلاثة وعشرين عاما، وبالتحديد ليلة 18 مارس، كنت شابا يافعا، فجأة انكسرت وسرت في شرايينى كل ملامح الطفولة اليتيمة ورهبة الوحدة والخوف من عالم خلا من سبب الوجود، فجأة وجدت نفسى وحيدا بين الإخوة والأصدقاء ولم يعد هناك أحباب، كانت أمى هي الأحباب، وكانت هي «الصحاب» وكانت الملاذ الآمن من كل شر، وكانت وزارة الدفاع ومأوى الطمأنينة وملجأ السعادة وواحة الصفاء الأبدي.
رحلت هذه السيدة العظيمة دون أن ترى أن في رحيلها «موات» لكل ما كان يربطنى بالحياة، انصرفت دون أن آذن لها، وهى التي كانت تترجم رغباتى، وتقرأ تفاصيلى فتقدم من كفيها عذوبة كفيلة بأن أقاتل الدنيا ومن عليها دون وَهَنٍ منى أو تردد.. أيام قليلة هي التي أقعدتها بعد أن كانت عنوانا للنشاط والحركة الدءوب، ترقد أمامى اليوم بلا حراك.. جسدا مسجيا لا يزال نور الحياة ينبعث منه، وكأنها تأبى أن ترحل قبل أن تترك لى بعضا منه.
في مثل هذا اليوم وفى كل يوم وفى كل ركعة أبعث إليك برسائلى وإلى الله بدعواتى: «اللهم إنها كانت أمًّا عطوفا فارحمها برحمتك يا رحمن».