ملحمة ثلاثية الأبعاد!!
حين هبت رياح الربيع العربي المزعوم في نهاية العام 2010 وبداية العام 2011 كانت هناك العديد من المبررات الموضوعية لظهورها في غالبية الأقطار العربية، خاصة التي انبطحت أنظمتها الحاكمة للعدو الأمريكى – الصهيونى، وسلمت مقدرات شعوبها وأوطانها لذلك العدو ليفعل بها ما يشاء..
لدرجة أصبحت القوى الواعية في تلك الأقطار العربية على ثقة بأن صناعة القرار السياسي تتم في واشنطن وتل أبيب، وما تلك الأنظمة الحاكمة داخل بلدانهم إلا دمي يحركها صانع القرار الغربي بما يتفق ومصالحه سواء كانت الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية، وتحولت بذلك غالبية مجتمعاتنا العربية إلى مجتمعات رأسمالية تابعة تدور في فلك النظام الرأسمالى العالمى، لذلك لم يكن غريبا خروج الجماهير الشعبية غاضبة ومطالبة بالتغيير وإسقاط هذه الأنظمة العميلة والخائنة بعدما عانت أشد المعاناة على كافة الأصعدة المجتمعية.
لذلك لم يكن من المتوقع أن تصل مثل هذه الرياح الغاضبة إلى سورية العربية، التي كان نظامها الحاكم هو الوحيد تقريبا من بين الأنظمة العربية الذي يرفع راية العصيان في مواجهة المشروع الرأسمالى الغربي، ويكن العداء ويجاهر به في وجه العدو الأمريكى– الصهيونى، ويدعم حركات المقاومة العربية في مواجهة العدو الصهيونى، ويرفض أي سلام قائم على التفريط في شبر واحد من الأرض العربية المحتلة من قبل العدو الصهيونى، ويرفض التفريط في قراره السياسي بأى شكل من الأشكال..
لذلك سعى إلى بناء مجتمع قائم على الاكتفاء الذاتى، فكانت سورية هي الدولة العربية الوحيدة التي تأكل مما تزرع وتلبس مما تصنع، ولم يكن عليها ولا دولار دين خارجى خاصة للغرب الرأسمالى ولا منظماته الدولية التي تفرض شروطها على من يرغب في الاستدانة، وكان غالبية سكانها من الطبقة الوسطى التي تشكل صمام الأمان لأى مجتمع.
لذلك عندما هبت تلك الرياح الغاضبة على سورية وتناقلتها وسائل الإعلام الغربية كنت أتشكك فيما يحدث، ولم يكن عقلى ليقبل بما يحدث إلا في إطار المؤامرة، لأن الشروط الموضوعية التي توافرت في بعض الأقطار العربية الأخرى التي هبت عليها رياح الغضب لم تكن موجودة في الحالة السورية، لذلك سارعت مع بعض الزملاء الواعين لتشكل أول وفد مصرى لزيارة سورية، لنرى ونشاهد على أرض الواقع ما تبثه وتدعيه وسائل الإعلام..
وبالفعل كانت الزيارة كاشفة بكل معنى الكلمة، فلا رياح غضب ولا تظاهرات جماهيرية شعبية، مطالبة بالتغيير وإسقاط النظام، بل هناك شعب واعٍ إلى حد كبير خرج لتأييد ودعم قيادته الوطنية التي تسعى طوال الوقت للحفاظ على استقلالية القرار الوطنى السورى.
وعدنا إلى مصر لنشكل جبهة شعبية للدفاع عن سورية العربية التي تشكل آخر معاقل القومية العربية، وواجهنا انتقادات كبيرة وصلت إلى حد الاتهام بالعمالة للنظام السورى أحيانا والتكفير أحيانا أخرى، ثم تطور الأمر لإهدار دمائنا أثناء حكم محمد مرسي وجماعته الإرهابية، حيث أصبحت صورنا يتم تداولها على مواقع الجماعات التكفيرية مختومة بختم عميل ومطلوب..
ورغم ذلك أخذنا على عاتقنا أن نخوض المعركة إلى جانب سورية العربية عبر المنابر الإعلامية المتاح لنا الظهور عليها، في محاولة لتنوير الرأى العام المصري والعربي بحقيقة ما يحدث على الأرض العربية السورية من مؤامرة كبري تحولت إلى حرب كونية شاركت فيها أطراف متعددة وبأدوار مختلفة لكنها محددة بدقة، وخلال سنوات الحرب التي تعدت السبع سنوات لم تنقطع زيارتنا إلى سورية للاطلاع الدائم على آخر المستجدات الميدانية.
وجاء 15 آذار (مارس) هذا العام وهو الذكرى السابعة لانطلاق المؤامرة على سورية العربية، وقد تكشفت أبعاد المؤامرة، ولم نعد في حاجة لبذل ذلك الجهد لإقناع الرأى العام المصرى والعربي بأن ما حدث في سورية هو مؤامرة وحرب كونية استطاعت هذه الدولة العربية الصغيرة أن تتصدى لها، وتحقق انتصارات مدوية على الأصيل متمثلا في العدو الأمريكى – الصهيونى، وعلى الوكيل متمثلا في الجماعات التكفيرية الإرهابية التي تخوض الحرب على الأرض، لكن السؤال الذي يحتاج إلى إجابة هو كيف تمكنت سورية من تحقيق هذا الانتصار؟!
والإجابة هنا بسيطة للغاية، فتلك الملحمة السورية ثلاثية الأبعاد، حيث الشعب العربي السورى الواعى الصامد صمودا أسطوريا، والجيش العربي السورى الباسل، والقائد البطل الشجاع بشار الأسد الذي قرر خوض المعركة للنهاية ليس دفاعا عن سورية فقط بل دفاعا عن شرف وكرامة الأمة العربية كلها، انظر كيف يذهب بسيارة يقودها بنفسه إلى خط النار بالغوطة الشرقية، ليدعم قواته التي تخوض الحرب وشعبه المحاصر في هذه البقعة الجغرافية لسبع سنوات..
ما يفعله لا يستطيع أي رئيس دولة في العالم أن يفعله حتى في حالة السلم وليس الحرب، إنه قائد بحجم أمة، هذه الثلاثية هي مفتاح النصر، فالشعب والجيش والقائد، هما كلمة السر في أي معركة، لذلك يجب على الجميع أن يؤدون أدوارهم كاملة بدون نقصان، اللهم بلغت اللهم فاشهد.