وصف النيل!
كثيرون كتبوا عن نيل مصر، مؤرخون ورحالة وشعراء، غير أن ما كتبه المؤرخ المصري الشهير ابن الكندي المولود عام 897 م عن "النهر الخالد" يعد من أجمل ما كتب، حيث ذكر في كتابه "فضائل مصر المحروسة" تحت عنوان "ذكر ما ورد في نيل مصر" قائلا:
"وأما نيلها، فروى ابن لهيعة أن معاوية بن أبي سفيان قال لكعب: أسألك بالله العظيم يا كعب، هل تجد لنيل مصر في كتاب الله خيرًا؟ قال: إي والذي فلق البحر لموسى عليه السلام! إني لأجد في كتاب الله عز وجل أن الله يوحى إليه عند جريه: إن الله يأمرك أن تجري كذا وكذا، فاجر على اسم الله، ثم يوحى إليه عند انتهائه: إن الله يأمرك أن ترجع، فارجع راشدًا".
وأشار إلى أنه رُوي عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أربعة أنهار من الجنة سيحان وجيحان والنيل والفرات". ورى أن الله تعالى خلق نيل مصر معادلا لأنهار الدنيا ومياهها، فحين يبدأ في الزيادة تنقص كلها لمادته، وحين ينقص تمتلئ كلها.
ومضى ابن الكندي يقول: ذكر أبو قبيل، أن نيل مصر في زيادته يفور كله من أوله إلى آخره. وقال ابن لهيعة: كان لنيل مصر قطيعة على كور مصر، مائة ألف وعشرين ألف رجل، معهم المساحى، والآلات سبعون ألفًا للصعيد، وخمسون ألفًا لأسفل الأرض لحفر الخلج وإقامة الجسور والقناطر وسد الترع، وقطع القضب والحلفاء، وكل نبت مضر بالأرض.
وأجمع أهل العلم أنه ليس في الدنيا نهر أطول مدى من النيل، يسير مسيرة شهر في بلاد الإسلام وشهرين في بلاد النوبة وأربعة أشهر في الخراب حيث لا عمارة، إلى أن يخرج من جبل القمر خلف خط الاستواء. وذكر أنه ليس في الدنيا نهر يصب من الجنوب إلى الشمال إلا هو. وليس في الدنيا نهر يزيد ويمد في أشد ما يكون من الحر حين تنقص أنهار الدنيا وعيونها غير نيل مصر.
هذا هو وصف النيل قبل أكثر من ألف سنة مضت، وهو وصف يؤكد أن هذا النهر سيظل خالدا مهما كانت محاولات دول أخرى لخنق مصر مائيا، فقد خلق الله النيل من أجل مصر، وصدق المؤرخ الإغريقي هيرودوت حين قال: "مصر هبة النيل".