رئيس التحرير
عصام كامل

باحث أثري: المصريون القدماء أول من عرفوا قوانين حقوق الإنسان

فيتو

أكد الدكتور حازم الكريتي، الباحث الأثري، مفتش آثار بسقارة، أنه في كل عام تحل ذكرى العاشر من ديسمبر حيث تم إقرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948.


وأضاف أنه بالبحث في تاريخ الأمم القديمة اتضح أن حضارة الأجداد كانت عظيمة في تقديرها للإنسان فقد كانت بصدق حضارة القيم والحب والسلام، ولقد أراد أعداء تلك الحضارة الإنسانية الخالدة على مر العصور تشويهها وانتساب أفعال وحشية لها لم تثبت الوثائق والأدلة التاريخية والأثرية صحتها حتى يومنا هذا.

وأكد الكريتي أن مصر لم تعرف التضحية البشرية ولا السخرة كما ادعوا عليها، ولم يعرف عن مصر وحكامها إنهم كانوا جبابرة مستبدين كما أرادوا أن نعرف ذلك، ولن أدافع عن الحضارة المصرية العظيمة فهي المدافعة عن ذاتها من خلال الوثائق والأدلة الأثرية المكتشفة، فلقد كانت مصر ضمير العالم القديم في تلك الأزمنة السحيقة، والتي كان مقبول فيها تلك الأفعال المتوحشة في رحلة تطور الإنسان من الحياة الحيوانية إلى حياة المدنية والتحضر.

وأضاف الكريتي في تصريحات خاصة لـ"فيتو" أن مصر سبقت الدنيا وتنبهت مبكرًا لأهمية إقرار قانون ونظام يحكم العلاقة بين الحاكم والمحكومين وكذلك العلاقة بين المحكومين وبعضهم البعض، ذلك النظام والقانون كان (ماعت) أي عدالة والذي أسست مصر عليه نظامها السياسي والإداري والديني والاجتماعي.

ونرصد بعض أهم الحقوق الذي كفلها القانون المصري القديم (ماعت) للإنسان في تلك الأزمنة المتوحشة نجد:

مبدأ حق الإنسان في الحياة
فالمصريون القدماء كانوا أول من اعترف للإنسان بالحق في الحياة فلم يكونوا يقتلون أبناءهم مثلما فعلت الأمم المتوحشة، فلم يسمح بوأد الأطفال ففي روما مثلا كان للأب الحق في أن يوافق على انتساب ابن له أو يرفض حتى لو كان ناتجا عن زواج شرعي.

أما البنات فلم يكن الآباء ملزمون إلا بتربية البنت الكبرى فقط‏ وفي اسبرطة كان الحاكم يقرر الإبقاء على حياة المولود أو إلقائه في هوة سحيقة‏‏ لأنها أمه كانت تقوم على القوة البدنية فلم يكن مسموح بوجود طفل هزيل أو معاق، ومعروف عن العرب عادة وأد البنات والتي كانت بالنسبة لهم عار فلا حق لها في الحياة، بينما المصريون القدماء كانوا يقدسون حياة الإنسان وحق الطفل سواء كان ذكر أو أنثى في أن يتربى في جو أسري سليم.

كذلك سادت فكرة التضحية البشرية في العالم القديم وتقديم القرابين البشرية للإله، فذلك الأمر كان مقبول لدى شعوب العالم القديم كالإغريق والرومان والكنعانيين والعبرانيين، ولكن مصر لم تعرف طوال تاريخها ذلك الفعل المتوحش الذي كان مقبول في تلك الأزمنة، والثابت لدينا في العديد من الوثائق أن عقوبة الإعدام‏ مثلا كان لا يملك الحكم بها إلا الملك وذلك لشدة مساسها بالكيان الإنساني في إفناء الحياة.

مبدأ المساواة بين الجميع
كان المصريين جميعا أمام (ماعت) سواء، فلا فرق بين غني وفقير، ولا رجل ولا امرأة، ولا بين حر وعبد، ولا بين مواطن وأجنبي الجميع له نفس الحق أمام (ماعت) لأن اختلال ذلك النظام يعني الفوضى وهو أعظم الأخطار التي كان الملك والمعبد مكلفين بمنع حدوثها، كان من حق الجميع تملك العقارات والأراضي وهكذا تخبرنا الوثائق الأثرية، حتى وإن ظلم المواطن من صاحب السلطة فلم يتحرج ذلك المواطن من شكوى المسئول إلى الملك والذي هو يد (ماعت) التنفيذية.

وكلنا يتذكر قصة (الفلاح الفصيح) الذي تعرض للظلم من أحد المسئولين فأرسل للملك شكاوى عرفت في الأدب المصري القديم (شكاوى الفلاح الفصيح) جاء من بينها كلماته (أقم العدل ماعت من الإله فالعدالة تدوم للابد، وتنزل معك إلى القبر، فالاسم يمحى ولكن ماعت تبقى وتدوم) فكان رد الملك عليه أن أعاد له حقه.

الحق في الرعاية الصحية
عرف أجدادنا فكرة التأمين الصحي فمن سجلات العمال بدير المدينة بالأقصر وهو المكان المخصص لإقامة العمال العاملين في حفر المقابر الملكية فقد تم اكتشاف أن هؤلاء العمال كانوا يتمتعون بصحة جيدة وذلك لأنهم كانوا يتمتعون بنظام رعاية صحية حكومي شامل حيث كان يمكنهم أخذ يوم كراحة مرضية مدفوعة الأجر، والذهاب لإجراء فحوص طبية، فالأشياء التي نعتبرها إبداعات العصر الحديث، مثل الرعاية الصحية والإضرابات العمالية، فقد سبقنا إليها الأجداد.

الحق في التعليم
كان المصري القديم أول من خط بالقلم وأول من استخدم الورق المصنوع من البردي، ولقد كان للتعليم والمتعلمين في مصر القديمة مكانة كبيرة.

وكان التعليم متاحا للجميع، وكان من أعظم الأعمال أن يصير الفرد متعلما، وبالعلم بنى المصريون القدماء تلك الحضارة الخالدة، وليهم أقوال كثيرة في فضل العلم منها (إن المتعلم دون سواه هو الذي يدير أعمال جميع الناس، أما من يكره العلم فإن الحظ يتخلى عنه) ويقولون عن الجهل (أن الذي لا يتعلم لا يعرف اسمه أحد، ومثله مثل الحمار المثقل بما يحمله يسوقه المتعلم ويوجهه).

وكانت أهم نصائح الوالدين للأبناء هو حثهم على التعليم، ولقد بالغ المصريين القدماء شعبا ودولة في تكريم العلم والعلماء حتى أنهم رفعوهم لمرتبة القديسين وكانوا دوما يذكرونهم مهما مر الزمن، فذلك (ايمحتب) طبيب ومهندس الملك (زوسر) وذلك (بتاح حتب) و(كاجمني) و(امنموبي) وغيرهم العديد ممن احتفظ لنا التاريخ بسيرتهم.

الحق في العمل والإضراب عن العمل
وكان المجتمع المصري مجتمع عامل لا سبيل فيه للكسالى والعاطلين.. كان مجتمع يقدس العمل فبالعمل لا غيره كان طريق مصر إلى القوة وسبيلها للازدهار في تلك العصور الغابرة.

وعرف المصريون منذ القدم تنظيم العمل والتخصص في العمل، ولقيمة العمل كانت الدولة المصرية تكفل العمل للأفراد في أوقات الفيضان والتي لا تصلح فيها الأراضي للزراعة فكانت تقام المشاريع الكبرى مثل بناء الأهرامات أو السدود وغيرها والتي يلتحق بها العمال من كل فج في مصر.

ويقول ديورانت (حسبنا أن نذكر من معالم حضارة مصر نهوضها بالزراعة والتعدين والصناعة والهندسة وأنها اخترعت الزجاج والنسيج وأبدعت في صناعة الحلي والأثاث وأنهم هم أول من أبدع نظام التعليم الفني لإعداد الفنيين والموظفين).

وكان لابد من نظام دقيق يكفل للعمال حقوقهم حيث كفل ذلك النظام للعمال مواقيت عمل مع منحهم إجازة في نهاية كل أسبوع عمل، وكذلك مراعاة الجوانب الإنسانية كما تشير الوثائق الأثرية التي تم العثور عليها في مدينة العمال وحيث نجد أحدهم سمح له بالتغيب عن العمل حتى يحتفل مع ابنته بيوم ميلادها وآخر حتى يكون بجوار زوجته عقب ولادتها وثالث لأنه ذهب لزيارة مقبرة والدة ورابع لقيامه بإصلاحات منزلية.

كما كان أجدادنا المصريون القدماء أول من نفذ إضرابا عن العمل في عهد الملك رمسيس الثالث نحو عام 1152 ق.م وهو العام 29 لحكم ذلك الملك العظيم، واستمر الإضراب لمدة 11 يوما حيث رفضوا العمل وأعلنوا العصيان حتى تصرف رواتبهم أولًا والتي تأخرت 18 يوما حيث رفعوا شكواهم لرئيس العمال المدعو (نفر-حتب) وقد كان المسئول عن متابعة مستحقات العمال.

وجاء في الشكوى (نحن جوعي لقد مضت 18 يوما بدون طعام) فكتب (نفر-حتب) تقريره ورفعه إلى الوزير (تو) وجاءت كلماته لتعبر عن العمال فقال (إن العمال في بؤس شديد، وعلى حافة الموت جوعا).

يُذكر أن أوروبا لم تعرف كلمة إضراب عمليا إلا في عام 1768 م عندما عمل بحارة في إنجلترا على شل حركة السفن في أحد الموانئ تعبيرا عن تأييدهم لمظاهرات انطلقت في ذلك اليوم في شوارع لندن، كما أن أول دولة تضمن دستورها حق العمال في الإضراب عن العمل كانت المكسيك عام 1917 م وبذلك سبق المصريون الدنيا في احترام حق العامل في الاعتراض.
الجريدة الرسمية