رئيس التحرير
عصام كامل

كل رجال الرئيس إلا قليلا


يبدو المشهد السياسي المصري في الظاهر عكس الباطن تمامًا، وإن الرصانة السياسية الرسمية مختلفة تمامًا عما يجري على الأرض، مثلا تنص ديباجة الدستور على توثيق أن ٢٥ يناير ثورة، وهو ما ترفضة الغالبية سواء بالقول أو الفعل، بل إن البعض يعتبرها مؤامرة، ويذهب البعض الآخر إلى أنها رجس من عمل العملاء وأن التمويل الأجنبي لعب الدور الحاسم فيها، بدليل وصول الإخوان إلى كرسي الرئاسة، فيما لم يكن تصل إليه طموحاتهم حتى في أحلامهم..


وربما يؤيد هواجس البعض من يناير وتوابعة ماحدث في بقية أقطار ما سمي الربيع العربي، وهكذا أصبح التناقض هو الحقيقة المسكوت عنها، ولكن تأكيد الرئيس السيسي أن ماحدث في يناير لن يتكرر مرة أخرى حسم الأمر رسميا، ثم رأى الناس عودة رجال مبارك إلى أركان الدولة في معظم المواقع حتى هؤلاء الذين كانوا في مواقع رسمية قبل يناير عادوا لمواقع أكبر، للدرجة التي دفعت الراحل هيكل إلى التحذير مما سماه «تسلل رجال مبارك»، ودعا السيسي للقيام بثورة على نظامه.

وبغض التظر عن المصداقية في كلام "هيكل" فقد اعتاد على تصفية حساباته بمهارة وذكاء ويغلف قضاياه الخاصة بلافتات سياسية عامة، وزاد "هيكل" التشكيك في القضاء بقولة على فضائية محمد الأمين إن القاضي لا يحكم بالعدل، ولكن بالقانون الذي وضعه مبارك ورجاله، وفي هذا الأمر كان الكثيرون يطالبون بمحاكمة مبارك سياسيًا وليس قانونيًا، وذلك حتى لا تظل أشباح الماضي تطارد المستقبل على حد زعمهم، ولكن الرد البسيط أنه لا ٢٥ يناير ولا ٣٠ يونيو كانا لهما كوادر أو أيديولوجية حتى يكون لهما رجالهما، بل إن بعض النشطاء لم يفكر أحد منهما في تشكيل حزب سياسي..

حتى أن حركة تمرد التي قادت توقيعات ثورة يناير فشلت في محاولاتها تحويل الحركة إلى حزب، ولم تسع الحركة إلى النضال من أجل فكرتها، وفيما يبدو اكتفي بعض قادتها ببعض المواقع والامتيازات التي حصلوا عليها، ولكن الأخطر من كل ذلك هو عدم رغبة السلطة في تشكيل حزب لها يعبر عنها، وكانت أمامه فرصة تاريخية لإنشاء حزب سياسي كبير من ائتلاف "٣٠ يونيو" من الملايين التي خرجت للشوارع، وحتى عندما جرت الانتخابات التشريعية لم يكن هناك كتلة سياسية واضحة، مما أدى إلى تدخل الأجهزة لتشكيل ائتلاف "دعم مصر".

وهو كيان مؤقت، بما يعني إصرار النظام على عدم خلق كيان سياسي منظم يتحدث باسمه، ولذا رأينا تعدد الحملات التي تدعم السيسي في الانتخابات بصورة أقرب إلى التنافس بدلا من التكامل، والأمر هكذا بات المشهد السياسي غريبا وعجيبا في بلد يتحدث دستوره عن التعددية، وهو لا يمتلك حزبًا للأغلبية ولا للمعارضة، وفي موت إكلينيكي للسياسة والسياسيين.

ونتيجة للوضع الراهن لم يكن هناك وجود من رجال على الساحة إلا رجال مبارك المؤهلين لإدارة دولاب العمل اليومي، وللأسف فإن الكبار خرجوا من المشهد تمامًا، ولم يبق إلا صغارهم ليجدوا أنفسهم فجأة في مواقع أكبر منهم بكثير ومن خبراتهم، وعندما جرت الانتخابات البرلمانية تقدم ألفين من رجال مبارك، وحصلوا على عدد كبير من المقاعد..

بل إن رموز مايعرف بموقعة "الجمل" فازوا باكتساح، وذهب بعضهم لتأسيس "حزب مصر" المستقبل نسبة إلى جمعية "جيل المستقبل" التي أسسها جمال مبارك، ولا يزال كبار رجال الأعمال الموالين لمبارك وجمال يحتلون صدارة المشهد السياسي، مثل أبو العينين وحسن راتب وأحمد أبو هشيمة رجل مبارك ومرسي وعلى شاشات الفضائيات، نفس رجال مبارك وابنه يتصدرون شاشات الفضائيات، سواء في التليفزيون الرسمي أو قنوات رجال الأعمال..

والأمر نفسه في الصحف ومجالس الإعلام الثلاثة التي تشكلت مؤخرًا، وحتى الكبار الذين كانوا بالسجون أو بالخارج عادوا مثل رشيد ومحمود محيي الدين وهشام طلعت، ولا ينكر أحد الود الذي يلاقيه علاء وجمال مبارك عند وجودهما في المشاركة بأي عزاء، ولا ينقص عودة الماضي سوى إعادة إحياء الحزب الوطني ومتابعة زكريا عزمي في كرسيه بالبرلمان لكي نكتشف أن كل رجال مبارك قد عادوا إلا قليلا، مما يستدعي للذاكرة عبارة القاضي الشهيرة وهو يحكم بالبراءة على العادلي ومساعديه "عودوا إلى مقاعدكم"!
الجريدة الرسمية