رئيس التحرير
عصام كامل

مفاجأة.. أب ميت وأم عقيم ينجبان متطرفا

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

في واحدة من أغرب القضايا وأكثرها غموضا وإثارة، استطاع محترفو تزوير الأوراق والمستندات الرسمية، استخراج بطاقة رقم قومى لشخص متطرف أمه لم تنجب مطلقا، ووالده متوفى قبل ميلاده بسنوات.. ثم استخدم تلك البطاقة المزورة في تحركاته، إلى أن انكشف أمره بعد مشاركته في حادث الواحات الإرهابى.. أما التفاصيل فقد حملت مفاجآت مذهلة يرصدها محقق “فيتو” في السطور التالية.


بدأت أحداث القضية عندما عثرت الأجهزة الأمنية على بطاقة رقم قومى مع أحد الإرهابيين المتورطين في حادث الواحات، وبفحص بياناتها بمعرفة الجهات المختصة تبين أنها صادرة عن سجل مدنى في محافظة أسوان، وتحمل بيانات مزورة لشخص اسمه عمر محمد عابدين. وبتكثيف البحث حول تلك البطاقة، تبين استخراجها بناء على مستندات مزورة عبارة عن بيان ميلاد، وبطاقة رقم قومى للأم، وعندما وصلت الأجهزة الأمنية للأم المزعومة أكدت لهم أنها لم تنجب قط، وأن زوجها توفى في عام 1977؛ أي قبل ميلاد الإرهابى المشار إليه بأكثر من 3 سنوات!!

أمام خطورة هذه الواقعة تم فتح تحقيقات موسعة لتحديد المتورطين فيها، ومن ثم تفجرت مفاجآت غاية في الإثارة، وتبين من تحقيقات وتحريات المباحث أن استخراج البطاقة التي عثر عليها مع الإرهابى المشار إليه مر بثلاث مراحل.

المرحلة الأولى: تمثلت في إدخال بيان ميلاد مزور باسم عمر محمد عابدين سليم، من مركز نصر النوبة، على الحاسب الآلى بمركز المعلومات بتاريخ 3 يونيو 2017، مواليد 2 يناير 1980، وقيد تحت رقم “57” في يوم 13 من ذات الشهر، وجاء في بيان الميلاد أن اسم الأم نعيمة مصطفى على جمال، والأب محمد عابدين سليم، وتم إدخاله بمعرفة الموظفة سامية مجلع عوض، التي أثبتته بدفتر تلقى طلبات مركز المعلومات، ثم أكدته الموظفة سناء الطواب بنفس التاريخ، واستخرجت حنان إسطاس المسئولة عن طباعة مصلحة الأحوال المدنية بمركز المعلومات شهادة ميلاد مميكنة له بنفس التاريخ، ومن ثم أصبح المدعو “عمر” يحمل شهادة ميلاد مميكنة ورقما قوميا مسجلا.

أما المرحلة الثانية: فقد تمثلت في استخراج بطاقة رقم قومى مزورة للأم “نعيمة” مثبت فيها أنها والدة “عمر”، وبالفعل تم استخراج البطاقة من خلال مكتب خاص للخدمات الإلكترونية، وعند فحص تلك البطاقة تبين أنها تحمل بيانات “نعيمة”، وأنها ربة منزل ومقيمة في “قرية أبو الريش”، ومولودة في 18 سبتمبر 1949، غير أنها تحمل الرقم الكودى الخاص ببطاقة رقم قومى سليمة باسم امرأة أخرى، وكشفت التحقيقات أن أوراق استخراج تلك البطاقة حملت توقيعات منسوبة لـ”نعيمة”، ولم تتضمن إقرارا يفيد أنها على قيد الحياة أو داخل البلاد، ولم يتم إثبات الاستمارات في دفتر التوريد لرسوم الخدمات الحكومية، وكانت المفاجأة عندما تبين أنه تم استخراج تلك البطاقة دون علم المواطنة نعيمة أو بناء على طلب منها أو من أي شخص من أقاربها.

بعد انتهاء المرحلة الثانية جاءت المرحلة الثالثة، وهى الأخطر في تلك القضية، وهى مرحلة استخراج بطاقة رقم قومى مزورة باسم عمر عابدين، وتبين من التحقيقات أن شخصا مجهولا تقدم إلى السجل المدنى بطلب لاستخراج بطاقة رقم قومى باسم “عمر عابدين” وأرفق بالطلب شهادة الميلاد التي تم استخراجها في المرحلة الأولى، وبطاقة الرقم القومى الخاصة بالأم المزعومة “نعيمة”، والتي استخرجت في المرحلة الثانية، وإقرار منسوب لها تؤكد فيه صحة بيانات ابنها المزعوم يحمل بصمة مطموسة لأصابعها، وإقرار آخر من شخص مجهول بصحة بيانات “عمر” موقع عليه باسم ثلاثى، وبناء على تلك المستندات تم استخراج بطاقة الرقم القومى لـ”عمر”، وأشارت التحقيقات والتحريات إلى أنه كان يتردد على السجل المدنى في “دراو” بنفسه مع شخص آخر معروف عنه احتراف استخراج المستندات الرسمية المزورة.

بعد الانتهاء من جمع المعلومات والتحقيقات الأولية أجرت أجهزة البحث الجنائى تحريات مكثفة وتكميلية بهدف التوصل إلى المتورطين في تلك القضية الغريبة سواء من موظفى السجلات المدنية في محافظة أسوان، أو من سماسرة استخراج المستندات الحكومية المزورة، أوضح المقدم عمرو عيسى، رئيس فرع البحث بالسجل المدنى فرع أسوان، أن الموظفة إلهام محمد عبد الباسط معنية باستلام الطلبات وإثباتها بدفتر طلبات مركز المعلومات، وتبين من دفتر أحوال المركز في 3 يونيو 2017 أن البيان المزور الذي تم إدخاله بحفظ مركز المعلومات منسوب صدوره إلى سجل مدنى نصر النوبة، ومنسوب تحريره لشخص يدعى محمد جمال محمد بتاريخ 20 مايو 2017، وعليه ختم شعار الجمهورية الخاص بسجل مدنى “نصر النوبة”، وخاتم كودى.

وأضاف أن خالد فايز أحمد، من قوة الأحوال المدنية بأسوان، تسلم بطاقة خاصة بالمواطنة “نعيمة” ضمن بطاقات أمر الشغل من مركز إصدار البطاقات وسلمها لأحد الأشخاص، ولم يثبت استلامها، وأن مراجع الشئون القانونية هو إيليا أبادير بشارة، والمصورة هي صفاء عبد العليم طه، وبذلك تقع عليهما مسئولية في تلك القضية.

وأكد الضابط في محضر التحريات أن الموظف محمود على حنفى ذكر في محضر التحقيق أن سمسارا يدعى هوارى صالح، طلب منه تجديد البطاقة، وتركها للأمين خالد فايز، وكتب عليها “تم التحويل”، وأن إقرار نعيمة مكتوب بخط يد السمسار، المعروف عنه احتراف أعمال التزوير، وثبت تورطه في وقائع مشابهة من قبل، وفيما يخص تزوير بطاقة الرقم القومى الخاصة بالمدعو “عمر” فقد أشار محضر التحريات إلى أن شخصا مجهولا قدم استمارة رقم قومى إلى سجل مدنى “دراو” بنفسه، مدون بها البيانات الآتية: الاسم: عمر محمد عابدين سليم، مواليد 2 يناير 1980، اسم الأم: نعيمة مصطفى على.. الإقامة: أبو الريش قبلى أسوان، لا يعمل، مرفق بها إقرار باسم “نعيمة”، والمفترض أنها والدته، كضامن لاستخراج بطاقة الرقم القومى، وتوجد بصمة أسفل الإقرار، وإقرار طالب البطاقة بصحة البيانات بتوقيع “عمر”، وصورة ضوئية من شهادة الميلاد باسمه، وصورة من بطاقة الرقم القومى باسم نعيمة، وتم تصويره بمعرفة الموظفة، ولم يتحقق عادل أحمد حامد المسئول عن السجل، من مقدم الاستمارة، وبالرغم من وجود بصمة وإقرار منسوبين لنعيمة إلا أن التحريات أثبتت أن صاحبة الصورة لم تحضر إلى السجل ولم توقع على أوراق، كما تضمن محضر التحريات أنه لم يتم التوصل إلى طبيعة العلاقة بين المنسوب إليه اسم “عمر” وبين أي من موظفى السجل المدنى الذين تورطوا في تلك الواقعة.

أما الموظفون الذين وجهت لهم أصابع الاتهام في وقائع التزوير المشار إليها وعددهم 15 موظفا، فقد نفوا الاتهامات تماما، وقالت فاطمة محمد موسى موظفة بسجل مدنى دراو إنه في شهر أغسطس 2017 جاء إليها شخص مجهول، بعد مراجعة المدير للاستمارة والمرفقات للتصوير.

وعندما اطلعت على الاستمارة شكت في أمره لأنه لم يجب على أسئلتها، فرفضت تصويره دون الاستعلام، لكن المدير أجبرها على التصوير واستكمال عملها، وقال عادل أحمد حامد بأعمال مدير السجل المدنى بدراو، إنه حضر شخص يدعى عمر محمد ومعه استمارة للحصول على بطاقة تحقيق شخصية ومعه سيدة خلال شهر أغسطس 2017، وقدم استمارة ومرفقات، وتمت مراجعتها في الشئون القانونية، ثم دخل مرحلة التصوير، ولم يعلم أن المستندات مزورة، ولا يعلم إن كانت المدعوة نعيمة حضرت أم لا، ولكن كانت هناك سيدة موجودة مع عمر، وقالت إنها الضامن، وقام بأخذ بصمتها، ولم يتحقق من هويتها؛ لأن نظره ضعيف، واتفق باقى المتهمين في أنهم لم يكونوا يعلمون بتزوير المستندات المقدمة لاستخراج البطاقة المشار إليها.

وأضافوا أنهم قضوا أسابيع طويلة يتنقلون بين النيابات ومراكز الشرطة ودفعوا مبالغ مالية كبيرة قيمة كفالات قررتها النيابة عليهم.

"نقلا عن العدد الورقي"...
الجريدة الرسمية