تفاصيل صفقة قذرة دمرت المنطقة ووضعت رقبة قطر تحت سيف مصر والعرب
وصل 23 قطريًا إلى مطار بغداد الدولي، يوم 15 أبريل 2017، حاملين حقائب ملفوفة بأشرطة سوداء، لا تستطيع أجهزة الماسح الضوئي اختراقها.
رفض القطريون فتح الصناديق، لكن مسئولي الجمارك أصروا على ذلك، وبعد ساعات من الشد والجذب، تمكن عمال الجمارك من فتح الصناديق، قبل أن يصابوا بالصدمة لما رأوه.
كانت الصناديق القطرية تحتوي قرابة 360 مليون دولار، بعد أسبوع من تلك الحادثة، غادر الوفد القطري المطار، برفقة 20 شخصًا، معظمهم من أفراد الأسرة الحاكمة القطرية، الذين كانوا قد اختطفوا في العراق قبل 16 شهرًا، حين كانوا في رحلة صيد جنوب العراق.
حاول القطريون إخفاء تفاصيل ما حدث، لكن معلومات مؤكدة أثبتت أن الملايين التي وصلت مع القطريين كانت موجهة إلى جماعات إرهابية كانت قد اختطفت أفراد الأسرة الحاكمة، الأمر الذي أسهم في توجيه مبالغ هائلة لتمويل جماعات متطرفة وهجمات إرهابية في عدد من دول العالم.
دعم الإرهاب
لكن هذه الأموال، رغم ضخامة حجمها وأهميتها بالنسبة للجماعات الإرهابية، إلا أنها لم تكن العامل الأهم في دعم التطرف، بل كان العامل الأبرز هو الصفقة السياسية التي رضخت لها قطر بالكامل.
وفق الصفقة، أجبر القطريون على تنفيذ عمليات تبادل سكاني في سوريا، عبر الإرهابيين الممولين منها، من أجل تلبية متطلبات إيران والنظام السوري، في 4 قرى استراتيجية داخل سوريا، وقد أثمر ذلك، بشكل كبير جدًا، في تحويل سوريا إلى دولة تابعة بالكامل لإيران، مثل العراق ولبنان واليمن، التي يظهر فيها نفوذ إيران القوى بشكل علني وصريح.
وقد كانت الصفقة بمثابة تدمير لحياة آلاف السوريين الذين يتضورون جوعًا، والحكم عليهم بالانتقال إلى المنفى بدون سبب، وبمثابة تحطيم لجهود دول عربية -على رأسها السعودية- وإقليمية ودولية، في محاولات التصدي للنفوذ الإيراني في المنطقة العربية، وللمنظمات الإرهابية.
وهكذا، أصبحت عملية اختطاف بسيطة، مقياسًا لميزان القوى في المنطقة العربية، بما في ذلك فرض بعض الأطراف مبادئها الطائفية والإرهابية، على كثير من سكان المنطقة.
لحظة البداية
القصة المثيرة التي امتلكت تفاصيلها صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، بدأت فصولها في نهاية نوفمبر 2015، حينما غادرت مجموعة كبيرة من صيادي الصقور الدوحة، باتجاه الصحراء الجنوبية للعراق، على بعد 450 ميلًا من الدوحة. وتألفت المجموعة من عشرات الأشخاص، بقيادة 9 أعضاء من الأسرة الحاكمة في قطر – آل ثاني.
بعد انقضاء 3 أسابيع على الرحلة القطرية، حاصرت مجموعة من الجنود المسلحين، مدعومين بالمدرعات، خيام القطريين في الصحراء، نحو الساعة 3 فجرًا. وفورًا، اقتحم الجنود الخيام، وبدءوا باقتياد وتكبيل الصيادين القطريين، توقع المخطوفون أن تنظيم داعش هو الخاطف، وأنهم سيقتلون مباشرة.
انطلقت الشاحنات حاملة معها عشرات القطريين إلى الصحراء. لكن مع بدء الجنود بتوجيه الشتائم إلى خديجة زوجة النبي محمد، أدرك المخطوفون أن الخاطف ينتمي لتيارات شيعية، وليس لتنظيم داعش.
لم يتمكن الأسرى من معرفة موقعهم على وجه الدقة، لكنهم كانوا على الأرجح في قاعدة تليل الجوية بالقرب من الناصرية، وهي واحدة من أكبر المنشآت العسكرية في جنوب العراق، قبل أن ينقلوا إلى زنازين في أحد السجون.
في لحظة من اللحظات، حاول المخطوفون أن يدفعوا جزية يخلصون بها أنفسهم. كان في جيب أحد القطريين مبلغ 33 ألف دولار، لكن الخاطفين قالوا إن الموضوع لا يتعلق بالمال.
قاسم سليمانى
في قطر، وصلت الأخبار إلى العائلة الحاكمة، بحلول السادسة صباحًا، وأدرك القطريون هناك أن الخاطف هو إحدى الميليشيات الشيعية التابعة لإيران داخل العراق، وبناء على ذلك، توجه القطريون إلى صاحب النفوذ الإيراني الأكبر في المنطقة العربية – الجنرال قاسم سليماني، المرتبط مباشرة مع أعلى زعيم في النظام الإيراني ولي الفقيه آية الله الخميني.
ولم يكن سليماني معنيًا بالفدية، كل ما كان يفكر فيه هو سوريا، التي كانت منذ الثمانينيات جسرًا لعمليات شحن الأسلحة إلى حزب الله في لبنان. ومع اندلاع الأزمة السورية عام 2011، شعر الإيرانيون بخطر دخول قوى سنية على ساحة السياسة في سوريا، ولذلك، عملوا على تعميق وجودهم هناك لمواجهة القوى السنية، والحفاظ على نفوذهم هناك.
كان سليماني يعلم بأن القطريين يدعمون جماعات سنية متطرفة هناك، وبالتالي يمكن استغلال تلك النقطة من أجل إحداث تغييرات على الأرض.
البحث عن حل
بحلول عام 2015، كان سليماني وحلفاؤه من حزب الله يبحثون عن طرق جديدة لتعزيز السيطرة على مناطق رئيسة معينة بالقرب من العاصمة السورية دمشق. وبالنسبة له لم يكن الهدف قتل الثوار فقط، بل طرد السكان المدنيين السنة الذين ظلوا في مناطقهم أيضًا. من الناحية الثانية، كانوا يأملون بإعادة إعمار البلدات ذات الأقلية الشيعية. كانت خططًا مثيرة للجدل، خصوصًا مع ظهور إشارات على التطهير العرقي. وإذا نجحت هذه الخطط، يمكن لها أن ترسخ النفوذ الإيراني في سوريا على المدى الطويل.
كانت إيران في ذلك الوقت تسعى إلى السيطرة على 4 بلدات رئيسة كانت تشكل خطرًا على النفوذ الإيراني، هي كفريا والفوعا ومضايا والزبداني. وقد تكفل حزب الله بحصار مضايا والزبداني السنيتين، شرق دمشق، فيما أتاحت الصفقة القطرية الإيرانية خروج المقاتلين المدعومين من قطر من كفريا والفوعا الشيعيتين، وفك الحصار الذي استمر لفترة طويلة عليهما.
أنقذت صفقة البلدات الأربع طهران من خطر الثوار السوريين. واقترح الإيرانيون أن تجري مبادلة للسكان –حرفيًا- بين القرى الأربع، بين السنة والشيعة، بما يتيح لها تعزيز تواجدها، وإنقاذ نفوذ إيران المتهالك في المنطقة.
امتلكت إيران ورقة رابحة مع اختطافها للقطريين في العراق. وهكذا أصبح من السهل تنفيذ مخططاتهم في سوريا، عبر إجبار قطر على تنفيذ المقاتلين المتطرفين في سوريا لإملاءات طهران.
دور حزب الله
لعب حزب الله دور الوسيط، لما يمتلكه من علاقات طيبة مع كل من إيران وقطر، العائلة الحاكمة في قطر، لم يكن يعنيها ما يحدث في سوريا، كل ما كان يعنيها أن يعود أفراد أسرتها الحاكمة بسلام إلى بلادهم. لذلك، رضخت حكومة قطر لمطالب إيران، وجلست إلى طاولة المفاوضات.
استمرت المفاوضات قرابة 16 شهرًا، دون نتائج. لكن تغيرًا جديدًا حدث، أدى إلى إتمام الصفقة. كان ذلك، هو ظهور أحد الوزراء العراقيين يدعى قاسم الأعرجي، الذي تربطه علاقات وثيقة بالميليشيات الشيعية، إلى واجهة القضية.
قال الأعرجي للقطريين، في أبريل 2017، إنه يعرف من هو الخاطف دون أن يسميه. تبين لاحقًا أنه كان كتائب حزب الله العراق، الممول من الحرس الثوري الإيراني. قدم الأعرجي خطة لإجراء صفقة من أجل تحرير الرهائن.
وقد كانت الفدية جزءًا من الحل، لكن الشرط الأهم كان إنجاز صفقة البلدات الأربع، بعد أن سقطت الخطة عن طاولة المفاوضات في سوريا. وكانت إيران متمسكة بتلك الخطة كثيرًا في ذلك الوقت، في محاولة لإعادة إدراجها على خطط المتفاوضين حول سوريا.
مطار بغداد
بعد أسبوع من موافقة قطر، كان القطريون في مطار بغداد، قد وصلوا، حاملين معهم 23 كيسًا من الأموال.
ولأن الحكومة العراقية لم تكن تدرك تفاصيل الصفقة، أصر رئيس الحكومة حيدر العبادي على احتجاز الأموال، ونقلها إلى البنك المركزي، في تحدٍ واضح لإيران.
هدد تدخل العبادي بعرقلة صفقة تم التخطيط لها بعناية خلال أشهر من الاجتماعات بين الدوحة وحزب الله. وكان من المفترض أن يتم تسليم الـ23 حقيبة التي تحتوي المال، في الوقت الذي كان فيه حلفاء قطر في سوريا ينفذون شروط اتفاقية البلدات الأربع.
لم يكن خطر العبادي يقتصر على إمكانية إهدار 360 مليون دولار من مال الصفقة، بل أيضًا كان يهدد الـ50 مليون دولار الأخرى التي دفعتها قطر لجبهة النصرة وأحرار الشام، لضمان تنفيذهم البنود.
أمر آخر هدد بفشل الصفقة؛ إذ انفجرت شاحنة محملة بالمتفجرات في الحافلات التي تقل الخارجين من المدن الشيعية – الكفريا والفوعا. قتل 126 شخصًا، لكن هذا الأمر لم يؤثر بشكل مباشر على سير الصفقة.
صباح 21 أبريل، انتقل المخطوفون من آل ثاني من سجنهم إلى بغداد، وبعد ساعتين من الطيران وصلوا إلى الدوحة.
مليار دولار
مع عودة القطريين إلى الدوحة ظل لغز كبير يحيط بالقضية، فكيف تمكن القطريون من الخروج، فيما يصر حيدر العبادي على مصادرة الـ350 مليون دولار؟!
كان الجواب هو تقديم قطر لمبلغ 350 مليون دولار لحزب الله -بموافقة سليماني- يصل إلى مطار بيروت الذي يسيطر عليه الحزب بالكامل، من أجل ضمان وصول المبلغ كاملًا وعدم مصادرته من أحد، كما حدث في بغداد.
وبهذا، يكون القطريون قد دفعوا 700 مليون دولار على الأقل للخاطفين، و50 مليون دولار للجماعات المتطرفة. تقارير أخرى تحدثت عن مبالغ متفرقة دفعتها قطر، كرشاوى مختلفة، خصوصًا أثناء احتجاز الوفد القطري في مطار بغداد، وأثناء المفاوضات مع حزب الله.
بهذا، يصل المجموع الكلي لما دفعته قطر قرابة مليار دولار! مع ذلك، تصر قطر على أن هذه الأموال لم تذهب إلى إيران وحلفائها، أو إلى المتطرفين في سوريا، وإنما كانت موجهة إلى “مشاريع استثمارية وتنموية في العراق”.
بعد مرور عام تقريبًا على الصفقة، ما يزال بالإمكان الشعور بتأثير صفقة الفدية القطرية، على عدد من مفاصل الحياة في الشرق الأوسط. البلدات الأربع في سوريا خالية إلى حد كبير، باستثناء القلائل الذين رفضوا الخروج من منازلهم في البلدات الشيعية كفريا والفوعا، وفي البلدات السنية مضايا والزبداني. كما يواصل المتمردون الجهاديون في سوريا معاركهم، بما يساهم في تقطيع أوصال سوريا، وموت كثير من المدنيين، وتهجير مئات الآلاف.
دفع قطر بمليار دولار إلى الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، التي تشكل تمثيلًا واضحًا لنوايا إيران التوسعية، والتطهير العرقي والديموغرافي الذي تسببت فيه قطر في سوريا، رضوخًا لإيران، أغضب دول الخليج المجاورة – السعودية والإمارات وغيرها لذلك، قامت السعودية والإمارات ومصر والبحرين بقطع علاقاتها الدبلوماسية بالكامل مع قطر في 5 يونيو 2017.