الله يخرب بيت الميت!
أكثر ما أبغضه ككاتب هو أن أحيل حضرتك لما سبق وأن كتبته عن موضوعٍ ما، ولكن أحيانًا يضطر المرء منا لأن يركب الصعب ويرتكب ذلك الفعل الشنيع بالإشارة لما سبق كتاباته، وذلك للتدليل على المعنى المقصود من المحتوى، وأيضًا لنمسك معًا ـ إن أردت سيادتك ـ بتلابيب الموضوع بدلًا من أن نمسك الهواء بأيدينا زي المرحوم العندليب؛ لذا فإني آسف أشير لمعاليك على مقال سابق للعبد لله تحت عنوان "مُجتمع من المسوخ" تم نشره في هذا المكان الكريم قبل قرابة العام، ويُمكنك الضغط على عنوان المقال أو على الرابط التالي لمُراجعته بشكل تفصيلي! http://www.vetogate.com/2647657
ووالله يا سيدي الفاضل هذا ليس إفلاسًا من الكاتب، لكنه في الواقع محاولة لرصد الإبهار المُجتمعي الجديد علينا رغم إن بقاله سنين طويلة؛ إذ تحوَّل مُجتمعنا لمسخ أخلاقي يُقدِّم الأدلة يوميًا وبإفراط على أنه صار كذلك، لدرجة أنه من المُمكن أن يتم تخصيص سلسلة مقالات لذلك الأمر، وربما لو امتلكنا بعضًا من التركيز في مُلاحظة ما يحدُث حولنا لتحوَّلت سلسلة المقالات تلك لموقع مُتخصص يقوم عليه عشرات الكُتاب، تسألني لماذا؟ نحن يا سيدي لم نعُد نلتزم بتعاليم دين، ولا باحترام الكبير، ولا حتى بشوية خجل، ورغم ذلك فمَن يتجاوز كُل هذا فإنه يرتكبه ـ ببجاحة ـ تحت راية الدين وتلك هي المصيبة السوداء؟!
وبعيدًا عن الإرهاب وقتل الأبرياء تحت راية الدين ورفعة اسم الله والله أكبر كأنهم يذبحون دجاجًا، أو قتل المُصلين في المساجد أو تفجير الكنائس على حدٍ سواء، فهناك ملايين الإرهابيين الصغننين أو مشاريع إرهاب أو ظهير اجتماعي لإجرام الإرهاب، وهؤلاء موجودون في كُل خُن في بيت أو حارة أو موقع إنترنت وخصوصًا مواقع التواصل الاجتماعي التي أضحت لعنة مُجتمعية بعدما بات من حق كُل مَن هَب ودَب أن يتحدّث طوال الوقت ليبدي رأيًا في أي شيء في الكون بدايةً من إبرة الوابور ونهاية بالتعديلات الواجب إدخالها على سفن الفضاء التي ستتوجَّه إلى كوكب بلوتو لإقناعه بأنه يستهدى بالله ويرجع للمجموعة الشمسية ويا مجرَّة ما دخلِك شَر، والمجرَّات ياما بيحصل فيها!
ولا يُمكن أن نحجر على أحد لنحول بينه وبين إنه يقول رأيه أبدًا، لكن تكمُن المشكلة في أن الرأي غالبًا مشوَّه، وتتعاظم تلك المُشكلة عندما تجده رأيًا جمعيًا يعني مع الرايجة، أو على شكل موجة عاصفة كتلك التي تابعناها بعد وفاة عالم الفيزياء البريطاني (ستيفن هوكينج)، وسخرية الكثيرين منه لأنه "كافر" وميعرفش ربنا، رغم أنه عالم جليل، وهذا يُذكرنا بالأسئلة الحمقاء التي كان يوجهها الجهلة للسير (مجدي يعقوب) أعظم أطباء القلب في العالم حول مصيره من دخول الجنة من عدمه بسبب كونه مسيحيًا!
لعبة غبية وحمقاء أن نصادر على الناس حياتهم ومماتهم ونجاحاتهم بسبب الدين، والمُشكلة أن مَن يُردد هذا السخف كُلهم مسلمين بالاسم، وكتاب الله مُمكن الأذان يؤذن ومفيش واحد منهم يقوم يهِز طوله ويروح يصلي الفرض في المسجد ولا حتى في البيت، وإن كان أتخن ما يفعله من مظاهر إيمان في تلك اللحظة أن يكتم الأغاني لحد ما الآذان يخلص، وهو بيقول لنفسه ـ يمكن مش عارف أن الله مُطلع على ما في الأفئدة ـ كان لازم الأذان في اللحظة دي؟ كُنت استنى يا مولانا على ما (حماقي) يخلَّص الجُملة!
كارثة حقيقية بالفعل تلك التي صار خلالها مظهر المُجتمع مثقفًا ومتمدينًا وواعيًا، لكنه في جوهره مجتمع من الجاهلية والجاهلين ـ إلا مَن رحم ربي ـ والجهل هنا ملوش علاقة بالشهادات، وكُلنا يعرف كيف يحصُل الناس على شهاداتهم حاليًا، والشهادة في كُل الأحوال ليست كُل شيء فـ(مرسي) إرهابي ودكتور في الهندسة، (أبو الفتوح) طبيب وإرهابي، (الظواهري) طبيب إرهابي، فملهاش أي علاقة بالشهادة ولا بالدرجة الاجتماعية!
المُشكلة أن مَن شيَّعوا العالم البريطاني الجليل باللعنات وبوصف الكافر، وهُم يفعلوها مع سيرة أي عالم أو مُخترع من عُلماء ومُخترعي العالم، سواء مُخترع التليفون أو التليفزيون أو المُكيف أو السيارة أو لمبة الجاز، ومع ذلك لا يكُف أحدهم عن الاستهلاك، ولا يتطوَّر مستوانا الفكري لا لنشيد بالعلماء والعياذ بالله لكن لنخترع ولو دبوس إبرة، لكن تقول لمين؟! وهل الواجب علينا وإحنا خير أمة أخرجت للناس أن نأخذ العلم ولو من الصين حتى كما أوصانا رسولنا الكريم؟ طبعًا لا يجوز لأن الصين أيضًا كُفار!
وماذا عن خير أمة؟ آي نعم هي خير أمة لكن لو التزمت بتعاليم الدين وعلى رأسها ما بُعث سيدنا رسول الله من أجله وهو أن يتمم مكارم الأخلاق، والرسول لم يفشل بالطبع حاشا لله، لكن الزمن وعوامل التعرية الاجتماعية والعشوائية والتخلُّف والتعصُّب، والانفتاح الغبي على العالم بطريقة غلط لنأخذ أسوأ ما فيه ونولي ظهورنا للأفضل دومًا، كانت السبب في أن انهيار مكارم الأخلاق ومعاها الأخلاق كذلك ويلتزم الأغلبية بمظاهر الدين فحسب ـ رياءًا ـ سواء بلحية أو بكلمتين أو حتى بلعن وسَب كُل مُختلف ونعته بالكُفر علشان نبقى إحنا بتوع ربنا ومعانا شهادة بكده طالما الآخرين كُفار، والجدع اللي يحجز الأول!
بالمُناسبة.. لا أدعو الجهلاء المُندفعين في غيُّهم وحماقاتهم للدعاء للعالم البريطاني الراحل، ولا أدعوهم كذلك للدُعاء لأي راحل سواء إنجليزي أو مصري، مسيحي أو مسلم، فالمُسلم في رأيهم هو مَن ارتضوا عنه لأنه في فريقهم فحسب (دين ملغوم بسياسة مدرمغ في جهل ومتعاص عصبية)!
ولعن الله مَن قسَّمنا لتلك الجبهات وعلى رأسهم كُل بتوع الإسلام السياسي سواء جماعة الإخوان أو السلفيين أو الحشاشين، والذين امتلكوا زمام الدين بمزاجهم وجاعورتهم لدرجة أن المرء ـ من الجانب المُضاد ـ لو أصيب بمرض فسروه بأنه انتقام من الله، ولو أصيب واحد آخر ـ من جانبهم ـ بنفس المرض لفسروه بأنه ابتلاء من الله لتكريمه ومحو ذنوبه غير الموجودة أصلًا كما يؤكدوا، وبالتالي فإن الموت بالنسبة للي مش معاهم انتقام وسبيل للنار، وبالنسبة للي معاهم تكريم وطريق مفروش بالورود للجنة والحور العين، حتى وإن كان قاتل إرهابي ذبح العشرات في مسجد!
لا أدعوهم للدعاء له ولا لغيره، ولكن أدعوهم للقراءة، والاطلاع، والتفكير، أدعو كُل واحد منهم ـ وأنا عارف إن مفيش فايدة ـ إنه "يتلهي" ويخليه في حاله، يحاول يثقف نفسه، ويشغل دماغه، ويتعلِّم مش يحفظ، وقبل كُل هذا يلتزم بتعاليم الدين ومبادئه الأساسية وعلى رأسها الأخلاق، فالمُسلم ليس بطعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذيء، وسيدنا رسول الله لما علم بمرض جاره اليهودي المؤذي راح زاره، مش قال ربنا انتقم منه وبُكرة يموته في ستين داهية ويريحنا..
أرجوكم لا تدعو للميِّت، لكن كمان متقولوش الله يخرب بيته مطرح ما راح، سيبوه في حاله مش علشان هو هيتأثر سلبًا أو إيجابًا بالهري ده، لكن علشان تتفرَّغوا لمليون حاجة أهم لو كان هُناك مُهمًا يُمكن أن تفعلوه، مش يبقى لا منكم ولا كفاية شرُّكم!