إقصاء تيلرسون.. صفعة لقطر وفريقها
يتفرد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب في طريقة إدارته للعمل، فهو يحكم أكبر دولة في العالم بمنطق رجل الأعمال، ورغم اختلافنا مع كثير من قراراته، يظل أخف وطأة وخبثا من أسلافه، خصوصا "راعي الإخوان" باراك أوباما.. وضوح ترامب وربما غروره يجعلاه يعلن قراراته الرسمية عبر "تويتر"، وآخرها إقالة وزير الخارجية ريكس تيلرسون وتعيين مدير المخابرات المركزية "سي.آي.إيه" مايك بومبيو مكانه.
غرد ترامب أمس: "مايك بومبيو، مدير السي.آي.إيه سيصبح وزير خارجيتنا الجديد، سيقوم بعمل رائع.. شكرا لريكس تيلرسون على خدماته".. كما انحاز للنساء بتعيين جينا هاسبل مديرة لوكالة المخابرات المركزية وقال إنها "باتت أول امرأة تتولى هذا المنصب في الولايات المتحدة".
يمكن قراءة تعيين امرأة في منصب حساس كهذا، كنوع من الترضية للنساء الغاضبات في الولايات المتحدة منذ تكشف فضيحة الاعتداءات الجنسية في هوليوود، وبعضها طال ترامب نفسه، ما أدى إلى انتشار حركتي "أنا أيضا وانتهى الوقت" لفضح المتحرشين، ورفض التمييز ضد النساء والمطالبة بالمساواة مع الرجال، فضلا عن تاريخ جينا هاسبل الحافل والناجح في المخابرات، ما مكنها من نيل ميدالية الاستحقاق في الاستخبارات، وجائزة التميز في مكافحة الإرهاب، ودورها القيادي البارز في إدارة السجون السرية، وتعذيب المتهمين في القضايا الكبرى مثل قيادات تنظيم القاعدة وهجمات 11 سبتمبر باستخدام تقنيات غير مسبوقة.
تأكيد ترامب في تغريدة أنه "على نفس الموجة دائما مع بومبيو" دليل على خلافات لم يستطع حلها مع ريكس تيلرسون أدت إلى إقالته من الخارجية، وهو ما أشار إليه ترامب بقوله "بالنسبة إلى الاتفاق (النووي) الإيراني أعتقد أنه رهيب بينما اعتبره (تيلرسون) مقبولا، وأردت إما إلغاءه أو القيام بأمر يزيد الضغط الجماعي على إيران، بينما كان موقفه مختلفا، ولذلك لم نتفق، وكذلك الحال بالنسبة لبعض الأمور والملفات الأخرى".
لا يخفى على أحد الدور المشبوه الذي تلعبه هيئة الإذاعة البريطانية BBC، وتزويرها الحقائق دفاعا عن قطر والفريق المتضامن معها، لذا ادعت حصولها على تسريبات لرسائل بريد إلكتروني لرجل الأعمال الأمريكي إليوت برويدي، المقرب من الإمارات وأحد أكبر داعمي حملة ترامب الانتخابية، تؤكد ضغطه على الرئيس ترامب لإقالة وزير الخارجية تيلرسون لأنه ضعيف سياسيا، ونصحه بعدم الخوض في الأزمة الخليجية وعدم الوقوف بجانب قطر، وذلك بتحريض من الإمارات والسعودية.
وزعمت BBC أن "ترامب سعى لحلحلة الأزمة الخليجية، وحاول إقناع دول الحصار الأربعة بتخفيف حصارها عن قطر بسبب الآثار المترتبة عليه، خاصة على السكان، لكن برويدي ضغط عليه لإقالة تيلرسون لإجهاض تلك المساعي وتقديم الدعم للسعودية والإمارات في موقفهما ضد قطر"!
لم تذكر BBC المتآمرة أن الرئيس ترامب أعلن موقفه الصريح من الأزمة مع قطر أكثر من مرة، وكتبه على "تويتر" منصته الرسمية: "دولة قطر لها تاريخ من تمويل الإرهاب على مستوى عال للغاية، وحان الوقت لدعوة قطر لإنهاء التمويل".. ورغم وضوح موقف الرئيس ترامب نجد تناقضا في موقف وزير الخارجية تيلرسون عند زيارته لتوقيع مذكرة تفاهم مع قطر في مجال مكافحة تمويل الإرهاب، ليقول في مؤتمر صحفي إن "الدوحة واضحة في مواقفها وطرحت آراء منطقية خلال الأزمة الخليجية الحالية".
كما قال في نهاية يناير الماضي "إن واشنطن ملتزمة بسيادة قطر وأمنها، وفي حال وجود أي تهديد لقطر، فإن الدوحة تعلم أنه يمكنها الاعتماد على الولايات المتحدة لحماية سيادتها، لأن قطر صديق وشريك قوي.. وحققت تقدمًا كبيرًا في مجال مكافحة الإرهاب".. فأي سياسة خارجية يمارسها تيلرسون إذا كانت تناقض سياسة الدولة المعلنة، وهذا تحديدا ما جعل ترامب يغرد ردا على تصريحات تيلرسون ذات مرة " كلمتي هي الفصل"!
لم يكن ملف صواريخ كوريا الشمالية بعيدا عن خلاف ترامب ووزير الخارجية، ما دفع ترامب لانتقاد إدارة تيلرسون السيئة لهذا الملف، وإضاعته الوقت في محاولة التفاوض مع كوريا الشمالية، واضطر في النهاية إلى سحب الملف منه وتكليف آخرين به، ليدور همس في "الخارجية الأمريكية" عن أن تيلرسون "مصدوم" من عدم معرفة ترامب بأساسيات السياسة الخارجية، ما استدعى مهاجمة الرئيس لوزارة الخارجية تحت قيادة تيلرسون.
لا شك أن إقصاء تيلرسون من الخارجية يمثل تحولًا كبيرًا في نهج ترامب منذ بداية الأزمة الخليجية، والأهم أنه "صفعة" لقطر وفريق داعميها خصوصا إيران وتركيا، لخسارتهم أكبر المؤيدين لهم في "البيت الأبيض"، كما أن مايك بومبيو سيتولى الوزارة قبيل القمة المرتقبة بين الرئيس ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون لحل أزمة تهدد بفناء العالم.